للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ وقد يطلب الأمان ليبلغ أمير المؤمنين رسالة يحملها إليه من أمير بلاده، وهذا يعامل معاملة الرسل وقد حدث أن أرسل مسيلمة الكذاب برسولين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملان كتابًا منه جاء فيه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد: فإني قد أشركت بالأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرسولين حين قرأ الكتاب ((فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال. فقال رسول الله: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما)) [أخرجه أحمد وأبو داود من حديث نعيم بن مسعود] .

وأوفدت قريش أبا رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الإيمان في قلبه فقال: يا رسول الله لا أرجع إليهم، وأبقى معكم مسلمًا: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد , فأرجع إليهم آمنًا، فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه ـ الآن ـ فارجع إلينا)) [أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه] .

ـ وقد يطلب الأمان ليحفظ دمه. فإن أعطى الأمان في صورة من هذه الصور وغيرها فقد عصم دمه من أن يراق، وحفظ ماله من أن يسلب، وشخصه من أن ينال بأذى، ودينه من أن يكره على تركه، فإن تعرض له أحد بشيء من ذلك عوقب.

فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض المجاهدين قال لمحارب من الفرس: "لا تخف. ثم قتله، فكتب رضي الله عنه إلى قائد الجيش: أنه بلغني أن رجالًا منكم يطلبون العلج حيًّا , إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول له: "لا تخف" فإذا أدركه قتله, وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدًا فعل ذلك إلا قطعت عنقه".

وروى البخاري في التاريخ، والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أمّن رجلًا على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا)) .

وروى البخاري ومسلم وأحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)) .

وهذا الأمان الفردي أعطاه الإسلام للرجال والنساء فمن حق أي فرد أن يؤمن أي فرد من الأعداء يطلب الأمان باستثناء الصبيان والمجانين.

روى أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على من سواهم)) , وروى البخاري وأبو داود والترمذي عن أم هانئ بنت أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: ((قلت يا رسول الله, زعم ابن أم يعلي أنه قاتل رجلًا قد أجرته؛ فلان (ابن هبيرة) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء")) (١)


(١) فقه السنة: ٢/ ٦٩٤ و ٦٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>