للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبهة الرق:

وإذا وصلنا إلى تقرير أن الجزية ليست غاية من الجهاد فإننا نقرر كذلك حقيقة أخرى هي أن الرق ليس غاية من الجهاد في الإسلام كما يدعى المبطلون، بل إن هذا القول دليل على عدم الفهم لحقيقة الإسلام وغاياته ووسائله في الوصول على هذه الغايات.

فإن الإسلام هو الذي يقرر كرامة الإنسان وحريته فلا يعرف العبودية إلا لله سبحانه، وقد جاء الإسلام وكان الرق نظامًا متبعًا في العالم كله، ويعامل الرقيق معاملة لا تليق بالإنسان وتكريم الله له فقدم الإسلام للناس ما يعيد صوابهم في نظرتهم إلى الإنسان ليجتث الداء ويعالج المشكلة معالجة واقعية وموضوعية فقدم ما يحقق المساواة بين الناس "بعضكم من بعض" جاء ليقول: ((من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن أخصى عبده أخصيناه)) جاء ليقرر وحدة الأصل والمنشأ والمصير: ((أنتم بنو آدم، وآدم من تراب)) وأنه لا فضل لسيد على عبد لمجرد أن هذا سيد وهذا عبد وإنما الفضل للتقوى: ((ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى)) جاء ليأمر السادة أمرًا أن يحسنوا معاملتهم للرقيق: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (١) . وليقرر أن العلاقة بين السادة والرقيق ليست علاقة الاستعلاء والاستعباد أو التسخير أو التحقير، وإنما هي علاقة القربى والأخوة، فالسادة (أهل الجارية) يستأذون في زواجها: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (٢) .

وهم إخوة للسادة: ((إخوانكم خولكم.. فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) وزيادة في رعاية مشاعر الرقيق يقول الرسول الكريم: ((لا يقل أحدكم: هذا عبدي وهذه أمتي وليقل: فتاي وفتاتي)) . ويستند على ذلك أبو هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه عبده يجري: "احمله خلفك، فإنه أخوك، وروحه مثل روحك" (٣) .

والإسلام بهذه التوجيهات والتشريعات قد قدم التهيئة الواقعية للتحرير العملي الصحيح.


(١) سورة النساء: الآية ٣٦
(٢) سورة النساء: الآية ٢٥
(٣) انظر شبهات حول الإسلام. أ. محمد قطب: ص ٣٧ و ٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>