للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضت الأيام وتعددت اتصالات الغرب بالشرق المسلم من اتصال الأندلس إلى اتصال صقلية إلى الاتصال الذي تم بالحروب الصليبية إلى الاتصلات التجارية التي بدأت بشكل قوي في نهاية القرن السادس عشر واستفاد الغرب من هذه الاتصالات الشيء الكثير باعتراف الكثير من مفكريه وفلاسفته، فلقد أخذ الغرب مظاهر الحضارة المادية عن الإسلام فقوى وأبدع في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وفي هذه الفترة أخذ المجتمع الإسلامي يبتعد عن الإسلام بمفهومه الحضاري الشامل، فضعفت شوكته وتفرقت بلاده فاستطاع الغرب احتلال أكثر بلاد الإسلام بعد أن استطاع افتعال المبررات والوصول إلى بعض مراكز القوة فيه وبعد خدعة حكام هذه البلاد وعقده معهم المعاهدات الزائفة الخادعة، وكان يدفعه إلى هذا الاحتلال رغبته الأولى في محاربة الإسلام والقضاء عليه في عقر داره، والثانية رغبته في السيطرة على خيرات العالم الإسلامي وكنوزه التي يتصور أن المسلمين ليسوا أهلًا لها. هكذا استطاع العدو السيطرة على بلاد المسلمين لفترات طويلة، فأخذ يفكر في كيفية استمرار هذا الاحتلال وفي كيفية التنفيس عن حقده على الإسلام، وفي كيفية الإبقاء على التخلف والضعف بين أظهر المسلمين , فانصب تفكيره على الإسلام وعلى الوحدة التي ينشئها الإسلام بين متبعيه، الإسلام الذي انتشر في هذه البلاد وخلق من أهلها قوة تهدد كل شر، فالإسلام هو عدوهم الأول والأخير فيجب أن يكون هو الهدف الأول لمخططاتهم العدائية التي تهدف إلى القضاء عليه تمامًا , وقد شملت هذه المخططات التشويه والتزييف لكل قيمة من قيم هذا الإسلام الخالد , وشملت أيضًا محاولة التبشير بالمسيحية بين المسلمين عسى أن يكون بذلك القضاء النهائي على الإسلام , وقد استعانوا على ذلك بحالة الضعف التي يعيشها المجتمع الإسلامي. وحالة القوة والرقي المادي التي يعيشها الغربيون فصوروا للمسلمين أن الإسلام هو دين الضعفاء , وأن المسيحية هي دين الأقوياء , فما على المسلمين إذا أرادوا القوة والتقدم إلا ترك الإسلام إلى غير رجعة.

ومن هنا قوى وضع اتجاه المبشرين والمستشرقين الذين كانوا أهم وسيلة من وسائل المستعمرين في هذه الحرب الفكرية، والتبشير سلك لهدفه هذا طرقًا عدة منها التعليم المدرسي في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية للذكور والإناث والجامعات والعمل الخيري في المستشفيات والملاجئ والعيادات (١) . وتميز الاستشراق بصورة الأكاديمي فألفوا الكتب وكتبوا المقالات في المجلات والصحف وأخذوا ينشرون أفكارهم من فوق كراسي الجامعات وفي أجواء المؤتمرات التي يدعون إليها.


(١) يراجع في ذلك كتاب التبشير والاستعمار

<<  <  ج: ص:  >  >>