للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثه: أنه حين برز العامل الاقتصادي في حياة أوروبا فيما بعد، وأصبح ـ في ظاهر الأمر ـ هو المحرك الأول لجميع تصرفاتهم، بقى هنا فارق واضح بين (الاستعمار الاقتصادي) في بلاد الإسلام، والاستعمار الاقتصادي في البلاد غير الإسلامية التي استولوا عليها في مرحلة التوسع وتكوين الإمبراطوريات (١)

فمع أن الاستعمار في جميع أحواله ظالم للبلاد المحتلة المستغلة، أناني النزعة، لا يهمه إلا تحقيق مصالحه الخاصة على حساب أهل البلاد الأصليين، مع ذلك كله فإنه في البلاد غير الإسلامية لا يتعرض لعقائد الناس وأفكارهم وتقاليدهم بشيء من العنف على الإطلاق، مكتفيًا بما يتسرب إلى حياتهم تدريجيًّا من التأثير الناشئ من رغبة المغلوب في تقليد الغالب, أما في البلاد الإسلامية فقد كانت هناك دائمًا تدبيرات وترتيبات يقصد بها قصدا إلى إزالة مظاهر الحياة الإسلامية، ومحاولة سحق الإسلام في نفوس المسلمين بالعنف، أو صرفهم عنه صرفًا خبيثًا بوسائل أخرى غير العنف.

وكان من أول هذه التدبيرات والترتيبات في كل بلد إسلامي وقع في قبضتهم تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم ووضع القوانين الوضعية بدلًا منها، وهو أمر لا علاقة له من قريب ولا بعيد (بالمصالح الاقتصادية) التي يزعم الغرب ويزعم معه أتباعه المستبعدون له أنها الهدف الأول والأخير من استيلائهم على العالم الإسلامي.

ومن هذا يتبين أن الدافع الصليبي كان موجودًا مع الغزو الأوروبي لبلاد الإسلام، سواء كان يعمل منفردًا كما كان في منطلقه الأول، أو متمزجًا بالدافع الاقتصادي كما حدث فيما بعد، ولكنه في جميع أحواله حاد النزعة لا يهدأ ولا يسكن، بل ازدادت حدته في القرن الأخير خاصة مع بروز حركات البعث الإسلامي (٢) .


(١) واقعنا المعاصر: ص١٩٤
(٢) واقعنا المعاصر: ص١٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>