للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفضل تجاوز الترجمة ومصطلحات أهلها إلى النظر في المظاهر نفسها, فأقرب المصطلحات أو أقرب تعريف عربي آراه من خلال ملاحظة الظاهرة هو الدنيوية، فهي ليست عِلمانية بمعنى العلم وليست عَلمانية بمعنى العالم , لكنها دنيوية يعنى التركيز على الحياة الدنيا واتخاذ الحياة الدنيا وتجارب الإنسان وخبراته إطار مرجعيًّا لا يجوز تجاوزه في أي شيء من الأشياء، وفي هذه الحالة لا تعني العلمانية أن يتحول معتنقها إلى ملحد لكنه يكون دنيويًّا له حق الإلحاد وله حق الإيمان. تلك مسألة شخصية , لكن ليس له أن يحتم هذا الإيمان بأي شأن من شؤون الحياة، لا في سياسة ولا في اقتصاد ولا في تعليم ولا في اجتماع ولا في فكرة ولا في شيء من هذه الأسياء. هذه الدعامة التي بدأ النظام الدولى الجديد يبشر بها ويحاول أن يصوغ العالم أو يعلنه أو يدخله مرحلة هذا الدين الجديد الذي سماه بما شاء هو الوجه الجديد لهذا الغزو الفكري الذي يمكن أن نواجهه. إن المصطلح اكتسب مجالًا دلاليًّا أوسع بكثير وأصبح مصطلحًا يصف ظاهرة اجتماعية وتحولات دنيوية ليست لها علاقة محددة بأية حركة فكرية، ولو نظرنا في قواميس هؤلاء لوجدنا مصداق ذلك، إن الدنيوية ـ كما نود أن نشيع هذا المصطلح فيما بيننا ـ حركة كونية شاملة كاسحة تغطي كل جوانب الحياة، خطأ أن ننظر إليها على أنها لا تعني إلا فصل الدين عن الحياة أو فصل الدين عن الدولة , أو إعطاء مجال لحرية أو تحرك سياسي بعيد عن القيم الدينية, ليس هذا إطلاقًا هو مفهوم العلمانية ولكنها كما قلت حركة كونية شاملة كاسحة تغطي كل جوانب الحياة، وهي في وضعنا الحالي تشكل ثورة شاملة، ثورة في مجال المعرفة، وثورة في مجال النظم, فلقد تأسست على ضوء من هذه الدنيوية وعلى دعامة أساسية منها هذه العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تدخل عقولنا وأدمغتنا كعلوم نفس وتربية واجتماع واقتصاد وسياسة وقانون وإدارة وإعلام وغيرها , والتي من المؤسف أنها أصبحت المشكلة للعقل الإنساني كله وعلى مستوى عالمي والتي لم يستطع المسلمون حتى يومنا هذا أن يفكروا في مواجهتها واختراقها، اللهم إلا محاولات ضعيفة ضحلة لا تستطيع أن تواجه هذا التيار الكاسح.

<<  <  ج: ص:  >  >>