للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أعقب الشاطبي هذا كله بجملة مما في اتباع الرخص من المفاسد: كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف. وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالاً لا ينضبط. وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم. وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف. وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم. وغير ذلك من المفاسد الأخرى (١) .

وإلى المنع من تتبع الرخص ذهب ابن القيم. فقال: وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ويفتي ويحكم به. ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر (٢) .

ثم يقول: ولا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة. ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه. فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه (٣) . وحكى ابن حزم الإجماع على منع تتبع الرخص (٤) .

جـ – مذهب التفصيل في تتبع الرخص:

يرى أصحاب هذا المذهب أن الأخذ بالرخص لا يعني تتبعها والبحث عنها قصدًا للتحلل من التكاليف وإنما يعني الانتقال من تكليف أشد إلى تكليف أخف لسبب شرعي.

في ضوء هذا اختار العطار من الشافعية جواز تتبع الرخص لا على الإطلاق بل مع مراعاة ما اعتبره المجتهد في المسألة التي وقع التقليد فيها مما يتوقف عليه صحتها كي لا يقع في حكم مركب (ملفق) من اجتهادين، كما إذا توضأ ومسح بعض الرأس على مذهب الإمام الشافعي، ثم صلى بعد لمس مجرد عن الشهوة على مذهب الإمام مالك في عدم النقض. فهذا تلفيق في أجزاء الحكم " وهو ممنوع " (٥) .


(١) الموافقات: ٤ / ١٤٧.
(٢) إعلام الموقعين: ٤ / ٢١١.
(٣) أعلام الموقعين: ٤ / ٢٢٢.
(٤) مراتب الإجماع: ١٧٥ نقلاً عن موسوعة الفقه الإسلامي.
(٥) انظر حاشيته على جمع الجوامع: ٢ / ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>