للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالفتوى لم تفرق بين بصير وغير بصير، وإنما ربطت نقض البيع بتبين الغبن. ويلاحظ من ناحية أخرى أن كلام ابن عات لم يبين مقدار الغبن الذي يوجب القيام، وقد نقل الحطاب اختلاف المذهب في تقدير الغبن الموجب للقيام. قال ابن عبد السلام: حيث يكون للمغبون الرجوع بالغبن إما في محل الوفاق أو في محل الخلاف. فقيل: قدر الغبن بحق البائع أن يبيع ما ينقص عن ثمن المثل الثلث فأكثر، وفي حق المشتري أن يزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر. وقيل: لا يحد بالثلث ولا بغيره من الأجزاء سوى ما دلت العادة على أنه غبن. وقال ابن القصار: إذا زاد على الثلث (١) .فهي ثلاثة أقوال في المذهب، لا قيام إلا إذا بلغ الثلث. لا قيام إلا إذا زاد على الثلث. القيام فيما لا يتسامح الناس في مثله، ولعل هذا القول هو أعدلها. لأن من باع ثوبًا يساوي اثني عشر ريالا بتسع ريالات قد يظن به أنه أراد إكرام المشتري خاصة ومستوى الربح من تجارة التفصيل في كثير من البلدان الثلث. وأما إذا باع ما قيمته مائتا ألف دولار بمائة وثمانين ألفا فعشرون ألف دينار مما لا يتسامح الناس بمثله. ولذا فإن على ولي الأمر أن يضبط النقص المعتبر غبنًا حتى يقطع مادة الخصام.

وما تقدم يتبين أن الزيادة لا تقل وتخول للبائع حق الرجوع في العقد إلا إذا شك أن البيع فيه غبن. فلو تمت الزيادة بعد انعقاد البيع دون غبن فلا حق للبائع في نقض العقد.

التناكر في دعوى الجهل

إذا اختلف البائع والمشتري فادعى المغبون منهما أنه جاهل غير بصير بالثمن وأنكره الطرف الآخر بناء على أن العارف لا يحق له القيام بالغبن كما علله الإمام المازري بقوله: أما العارف بالقيمة فيما باعه فلا يختلف في إمضائه عليه لأنه إنما فعله لغرض. وأقل مراتبه أن يكون كالواهب ماله (٢) فإن مدعي الجهل مدعى عليه ومدعي المعرفة مدع. والمدعي مطالب بالبينة. فإذا أثبت من لا يرغب في إبطال البيع أن الطرف الآخر بصير بالبيوع فإن بينته تقبل ويعمل بها، ولو أثبت الراغب في نقض البيع ببينة أيضا أنه جاهل؛ لأن الأصل في الإنسان أسبقية الجهل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:٧٨] ومثبت العلم ببينة ناقلة. والبينة الناقلة مقدمة على البينة المثبتة للاستصحاب، يقول خليل: وبنقل على مستصحبة.


(١) مواهب الجليل: (٤ / ٣٧٢)
(٢) حاشية الشيخ المهدي على شرح التاودي ج ٢ / كراس ٦٠ / ص٢

<<  <  ج: ص:  >  >>