للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف يدعي أن الإهمال لم يكن جريمة يعاقب عليها في مصر إلا بعد أن أخذت بالقانون الفرنسي، وهذه نصوص الفقهاء كلها تؤكد وتنص على مسؤولية المهمل في الشرع الإسلامي، إذا ترتب على إهماله ضرر بالغير، ومن جملة نصوص الفقهاء مثلا أنه يؤاخذ الذي يترك غريقا يغرف ولا ينقذه، ويعتذر بصلاته، ويحق عليه العقاب، لأنه يترك اللازم يعمل ما دونه لزوما، كذلك نصوا على مسؤولية الطبيب الذي يتسبب بإهماله في وفاة المريض، أو إلحاق الضرر به.

وإننا هنا نذكر ما قاله العز بن عبد السلام فيما يتعلق بالغريق في كتابه (قواعد الأحكام) وقد كان ابن عبد السلام رئيسا للقضاة في مصر في عهد المماليك، قال: (تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكن، بأن ينقذ الغريقُ، ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ إلا بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضا من باب الجمع بين المصالح؛ لأن في النفوس حقا لله تعالى، وحقا لصاحب النفس، فقدم ذلك على أداء الصوم) .

وجاء في كتاب المحلى لابن حزم، أن رجلا استسقي على باب قوم فلم يسقوه، حتى مات من العطش، فضمنهم عمر بن الخطاب ديته، ومعلوم أن الحكم بالدية إذا كانوا قد امتنعوا عن سقيه إهمال، أما إذا كان الامتناع متعمدا من اجل قتله فإن عليهم القصاص، كمن يحبس شخصا ويمنعه الطعام والشراب حتى يموت، فإن هذا يقول عنه الفقهاء ترك قصد به القتل، فهو ترك يحمل معني الإيجاب، ونص الفقهاء أن الأم إذا منعت ولدها الرضاع حتى مات فقد قتلته، أن قصدت ذلك، وكذلك إذا تركت الأم سرة ولدها من غير ربط، ولا يخفى أن الفقهاء لهم وجهات نظر مختلفة في مثل هذه الأمور، كغيرها من الموضوعات التى تختلف فيها الاجتهادات وفي مثله جرائم الترك، وجرائم الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>