للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المستوى الجماعي

أما استغلال أموال الزكاة وتوظيفها في أدوات إنتاج أو مشاريع ذات ريع لمصلحة مجموع الفقراء والمساكين دون تملك فردي للمستحق فلم يسبق أن طرح على بساط البحث الفقهي – فيما نعلم – لدى الفقهاء القدامي، وإنما طرق هذا الموضوع فكريا في عصرنا الحاضر في عهد المؤسسات والشركات والمشاريع الجماعية فقيل: لماذا لا تنشأ بأموال الزكاة مشاريع إنتاجية للفقراء عموما ينتفعون بريع عائداتها دون أن يكون هنالك تملك فردي لأعيانها؟ حيث يمثل ذلك تأمينا دائما للفقير والمسكين بدلا من أن تعطى لهم أموال الزكاة نقدا أو عينا فينفقونها ويستهلكونها أولا بأول؟ وتظل حالهم على ما هي عليه من الفقر والحاجة، وربما لا توجد أموال زكوية تلبي حاجة الفقير والمسكين في وقتها على الدوام.

وهذه المنشآت والمشاريع المقترحة قد يكون فيها من المنافع ما يشمل ويعم مع الفقراء والمساكين بعض الأغنياء أو أعداداً كثيرة منهم، كما إذا كانت هذه المنشآت مستشفيات أو مدارس أو غيرها مما يعم نفعه، فكيف يكون ذلك، وأصل هذه المنشآت من أموال الزكاة وهؤلاء الأغنياء ليسوا من أصحابها أو مصارفها الشرعية؟

والإجابة على ذلك أن الغني حينما ينتفع بهذه المنشآت والمشاريع الزكوية لا بد أن يكون ذلك بمقابل مالي يدفع لصندوق هذه المنشآت ليعودوا إلى جميع الفقراء والمساكين.

الأساس الشرعي لفكرة توظيف أموال الزكاة

فكرة توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع قلنا لم تطرق في الفقه القديم، أي أنها لم تدرس ولم يجر بحث حولها لدى الفقهاء القدامي، ولم يرد لها ذكر في كتبهم، ذلك أن هذه الفكرة إنما طرأت حديثا نتيجة لتطور الحياة الاجتماعية وتعقيداتها وتنوع أساليب العمل والإنتاج، وظهور الأشكال الجماعية وبروزها في مجال الإنتاج والاستثمار مما جعل التفكير في استثمار أموال الزكاة بالأشكال والأساليب الحديثة لمصلحة مستحقي الزكاة عموما دون ملكية فردية لكل مستحق – أمرا لا بد من طرحه، بل لا بد من ولوجه وممارسته، ومن هنا كان طرحه على بساط البحث لمعرفة ما إذا كان هذا الاتجاه نحو التصرف في أموال الزكاة وتوزيعها مقبولا شرعا فيشرع في محاولة تطبيقه أم ممنوع فيترك ويصرف النظر عنه؟

والموضوع كما يظهر من عدم التعرض له من رجال الفقه قديما أنه لا نص عليه، لعدم بروزه إلى الوجود، ولذلك حينما ظهر في العصر الحاضر واحتاج إلى رأي فقهي كان مجالا للاجتهاد بالرأي والاسئناس بالقياس ما أمكن ذلك، وبناءاً على ذلك فقد يكون من المناسب أن ينظر في هذا الموضوع على ضوء معطيات السنة الشريفة في تشجيع العمل وتهيئة الأوضاع المناسبة للقيام به كأسلوب تربوي في الاعتماد على النفس وإغنائها عن الحاجة للغير وطلب العون منهم أو مساعدتهم وذلك كما في قصة ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى عن أنس بن مالك: ((أن رجلا من الأنصار أتي النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: فقال: أما في بيتك شيء؟)) قال: بلى يا رسول الله، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء، فقال: ((ائتني بهما)) ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((من يشتري هذين؟)) قال رجل: أنا أخذهما بدرهم، قال: ((من يزيد على درهم؟)) مرتين أو ثلاثا، فقال رجل: أنا أخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: ((اشتر بأحدهما طعاما وأنبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به)) ، فشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما)) ، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها طعاما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مقطع، أو لذي دم موجع)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>