للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذين فرقوا بين دين السلم وغيره لم يفرقوا بفرق مؤثر، والقياس التسوية بينهما (١)

وقد أطال العلامة ابن القيم النفس في هذه المسألة وناقش المانعين مناقشة رائعة نذكرها بنصها لأهميتها فقال: "وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه فهذا إنما هو في المعين أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن، فإنه لا يجوز قبل قبضه، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته: سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة، فإنه إذا أخذ منه عن دين السلم عرضًا أو غيره أسقط ما في ذمته. فكان كالمستوفي دينه لأن بدله يقوم مقامه. ولا يدخل في هذا بيع الكالئ بالكالئ بحال. والبيع المعروف: هو أن يملك المشتري ما اشتراه. وهذا لم يملكه شيئا، بل سقط الدين من ذمته. ولهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل: إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: وفاه حقه، بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بمثلها فإنه بيع. ففي الأعيان إذا عاوض عليها بجنسها أو بعين غير جنسها يسمى بيعًا. وفي الدين إذا وفاها بجنسها لم يكن بيعًا. فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيعًا، بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة. ولو حلف ليقضينه حقه غدًا، فأعطاه عنه عرضًا برَّ في أصح الوجهين.

وجواب آخر: أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه أريد به بيعه من غير بائعه. وأما بيعه من البائع ففيه قولان معروفان.


(١) شرح سنن أبي داود للحافظ ابن القيم، بهامش عون المعبود (٩ / ٣٥٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>