للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم تعاطي المخدرات بوجه عام:

عالج الفقهاء مسألة النباتات المخدرة أو المفترة مع الخمر وقاسوها عليها، وذلك في الحكم الشرعي لا في الإطلاق اللغوي، لأن اللغة لا تثبت بالقياس عند جمهور الأصوليين.

والمقصود هو: أنه كما يحرم شرب المسكرات، حتى من غير الخمر مهما كان نوعها كثيرها وقليلها، كما سبق بيانه، يحرم أيضاً تناول المخدرات التي تغشي العقل، ولكن لا تحدث الشدة المطربة التي هي من خصائص المسكر المائع.

وكما أن ما أسكر كثيره حرم قليله من المائعات، كذلك يحرم مطلقاً ما يفتر ويخدر من الأشياء الجامدة المضرة بالعقل، أو غيره من أعضاء الجسد؛ وذلك إذا تناول قدراً مضراً منها دون القليل النافع من أجل المداواة، لأن حرمتها ليست لعينها، بل لضررها.

وقد بدأ الفقهاء بقياس (الحشيشة على الخمر، ثم عددوا النباتات الأخرى) .

ومعظم الفقهاء تكلموا عليها في كتاب الأشربة. وقليل منهم ذكرها في كتاب حد الخمر أو حد السكر. وقد اعتبر الإمام الحطاب المالكي، الحشيشة والأفيون وأمثالهما من المخدرات. (١) ، كما ذكر العلامة ابن عابدين، جوزة الطيب، والعنبر والزعفران، وقال: هذه كلها مسكرة.

ومرادهم من الإسكار هنا: تغطية العقل، لا مع الشدة المطربة، لأنها من خصوصيات المسكر المائع، فلا ينافي أنها مخدرة، فما جاء في الوعيد على الخمر، يصدق فيها، لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه.

بدء ظهور المخدرات في الدولة الإسلامية:

يقول الفقيه الجليل، العلامة ابن تيمية: (إنما ظهر في الناس أكلها – يعني الحشيشة- قريباً من نحو ظهور التتار، فإنها خرجت وخرج معها سيف التتار) (٢)

وقد عرف متعاطيها بالحشيشي، لا الحشاش. وتسمى الحشيشة بالقنب، وقد ألف العكبري صاحب إعراب القرآن كتاباً في أكل الحشيشة، سماه: كتاب السوانح الأدبية في مدائح القنبية (٣)

ويقول ابن عابدين: سئل شمس الأئمة عن حل البنج وحرمته، فقال: ما نقل عن أبي حنيفة فيه شيء إذ لم يشتهر في زمانه، ولم يرد عن السلف فيه أيضاً شيء إلى زمان المزني تلميذ الإمام الشافعي (٤)

وقال في موضع آخر: (وإنما لم يتكلم فيها –يعني الحشيشة- الأئمة الأربعة؛ لأنه لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المئة السادسة، وأول المئة السابعة حين ظهرت دولة التتار (٥) وكان ذلك في القرن الثالث عشر الميلادي.


(١) شرح الحطاب على مختصر خليل (٣/٢٣٢) ؛ وينظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٤/٣٥٢)
(٢) مجموعة فتاوى ابن تيمية (٤/٢٥٤) ، وينظر السياسة الشرعية له (ص ١٠٨) طبع دار الكتاب العربي بالقاهرة.
(٣) راجع كشف الظنون (١/٩٦٠) من طبعة المعارف التركية؛ والمخلاة للعاملي (١٤٣) من طبعة الميمنة؛ النجوم الزاهرة (٧/٣٨٠)
(٤) حاشية ابن عابدين (٤/٣٢٦)
(٥) حاشية ابن عابدين (٥/٤٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>