للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورب قائل: إن الإجراءات التي أجازتها الشريعة كافية لتحقيق المراد من العقوبة. وهذا –بلا شك- قول سديد، لكن المشكلة تكمن فيما يلي:

أ- أن هذه العقوبات الشرعية لا يمكن توقيعها إلا بأمر القضاء، وهذا يعني أن كل قضية تتضمن المماطلة تستغرق –حتى تصل إلى فرض العقوبة على المماطل- زمناً طويلاً، وربما يترتب عليها تكاليف باهظة على الدائن لاسيما في وقتنا الحاضر الذي أصبحت فيه المعاملات القضائية بالغة التعقيد وباهظة التكاليف والمحاكم مثقلة بأنواع القضايا والمشاكل.

وليس جديداً أن نقول: إن العائد على الاستثمار للمصرف الدائن محسوب على أساس الزمن، فلا يتحقق الربح للبنك بمجرد استرداد الدين، بل يجب أن يتحقق هذا الاسترداد عند الأجل المحدد، فإذا امتد هذا الأجل أو ترتب على المماطلة تكاليف إضافية على المصرف أضحت العملية خاسرة، حتى لو تم تسديد جميع الأقساط فيما بعد.

ب- لما كانت الشريعة قد أعفت المدين المعسر من العقوبة عن المماطلة في السداد، واقتصر العقاب على المدين المليء المماطل، كان على الدائن (المصرف في هذه الحالة) أن يتحرى حال المدين، فإن كان ممن يتصف بهذه الصفة، أي الإعسار، لزم إنظاره إلى الميسرة كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] ، بيد أن البنوك إذا ألزمت بضرورة إثبات ملاءة المماطل حتى يمكن مجازاته على المماطلة، أضحت العقوبات على المدين المماطل أمراً بعيد المنال، وأمن المماطلون العقوبة مما يشجعهم على التمادي فيما هم فيه، كل ذلك يضحي نتيجة مؤكدة إذا علمنا حال البنوك الإسلامية في الوقت الحاضر وكون أن أكثرها يعمل ضمن قوانين لا تقدم الحماية الكافية لنشاطاته ولا تأخذ باعتبارها خصوصيات العمل المصرفي الإسلامي الذي يحتاج إلى أنواع من الإجراءات القانونية التي لا تحتاج إليها المصارف التقليدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>