للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منطلق البحث:

وبسبب ما ذكرنا من عدم وجود نص ننطلق منه في البحث عن اللحظة التي تنتهي فيها حياة الإنسان، فإن منطلقنا في ذلك سيكون من بعض المبادئ التي توصلنا إليها خلال بحثنا السابق عن مبدأ الحياة الإنسانية.

المبدأ الأول:

إن حياة الإنسان تنتهي بعكس ما بدأت به، فإذا كانت قد بدأت –كما توصلنا في المبحث السابق- ببدء تعلق مخلوق سماه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الروح بالبدن، بناء على أمر الله وقدره سبحانه، فإن انتهاء هذه الحياة لا بد كائن بمفارقة هذا المخلوق للجسد الذي تعلق به.

المبدأ الثاني:

أن الروح مخلوق خلقه الله تعالى، يمكن للإنسان البحث فيه من حيث خصائصه وصفاته وأنشطته، وآثاره في البدن وتأثره، ووقت تعلقه به، ووقت مفارقته له.

أما المبدأ الأول فهو نتيجة منطقية، أصلها قاعدة السببية التي جعلها الخالق متحكمة في هذا الوجود، وفي كل نشاط يصدر عن موجوداته، والتي تفيد بأن كل شيء جعله الباري متوقفًا على سبب لا يمكن أن يقوم مع غيبة ذلك السبب، وبما أن الله عز وجل قد جعل لبداية الحياة سببًا هو اقتران الروح بالجسد، فإن نهايتها ينبغي أن تكون عند افتراقهما.

وكان مقتضى هذا أن يبدأ البحث من هذه النقطة (مفارقة الروح للجسد) وأعتقد أن هذه قناعة كل باحث في هذا الموضوع، لولا أن طائفة من الإخوة المفكرين أعرضوا عن ذلك؛ لاعتقادهم بأن الروح غيب حجب الله معرفته عن عباده، وأنه لا يجوز إدخاله تحت البحث بأية صورة من الصور؛ مما اضطرهم إلى التحول في البحث إلى منطلقات أخرى لا علاقة لها بالروح.

ولكن الدافع لهذا الإعراض عن الانطلاق المنطقي في البحث عن الوقت الذي تنتهي فيه حياة الإنسان، مبناه على سبب غير مسلم به عند كثير من العلماء المسلمين المعروفين بالحرص على الانسجام مع نصوص القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك أن اعتماد أولئك المعرضين إنما هو على نص غير قاطع الدلالة على حشر الروح في قائمة الغيبيات التي يحظر على المسلم الخوض فيها، وهو قول الله عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وإعراض الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخوض في هذه الروح المسؤول عنها بأكثر مما أمره الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>