للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن انتهى ابن عابدين من التعريف برسالته بدأها بما يأتي: قال في الولواجية في الفصل الخامس من كتاب البيوع: رجل اشترى ثوباً بدراهم نقد البلدة فلم ينقدها حتى تغيرت فهذا على وجهين: إن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق أصلاً فسد البيع؛ لأنه هلك الثمن، وإن كانت تروج لكن انتقص قيمتها لا يفسد لأنه لم يهلك، وليس إلا ذلك. وإن انقطع بحيث لا يقدر عليها فعليه قيمتها في آخر يوم انقطع من الذهب والفضة هو المختار. ونظير هذا ما نص في كتاب الصرف: إذا اشترى شيئاً بالفلوس ثم كسدت قبل القبض بطل الشراء يعني فسد، ولو رجعت لا يفسد. اهـ.

وفي جواهر الفتاوى القاضي الإمام الزاهدي أبو نصر الحسين بن علي: إذا باع شيئاً بنقد معلوم ثم كسد النقد قبل قبض الثمن فإنه يفسد البيع، ثم ينتظر إن كان المبيع قائماً في يد المشتري يجب رده عليه وإن كان خرج من ملكه بوجه من الوجوه أو اتصل بزيادة بصنع من المشتري، أو أحدث فيه صنعة متقومة مثل إن كان ثوباً فخاطه، أو دخل في حيز الاستهلاك وتبدل الجنس مثل إن كان حنطة فطحنها أو سمسماً فعصره أو وسمة فضربها نيلاً (١) فإنه يجب عليه رد مثله إن كان من ذوات الأمثال كالمكيل والموزون والعددي الذي لا يتفاوت كالجوز والبيض، وإن كان من ذوات القيم كالثوب والحيوان فإنه يجب قيمة المبيع يوم القبض من نقد كان موجوداً وقت البيع لم يكسد. ولو كان مكان البيع إجارة فإنه تبطل الإجارة ويجب على المستأجر أجر المثل، وإن كان قرضاً أو مهراً يجب رد مثله. هذا كله قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يجب عليه قيمة النقد الذي وقع عليه العقد من النقد الآخر يوم التعامل. وقال محمد: يجب آخر ما انقطع من أيدي الناس. قال القاضي: الفتوى في المهر والقرض على قول أبي يوسف، وفيما سوى ذلك على قول أبي حنيفة. (اهـ) . انتهى.

وفي الفصل الخامس من التتارخانية: إذا اشترى شيئاً بدراهم هي نقد البلد ولم ينقد الدراهم حتى تغيرت فإن كانت تلك الدراهم لا تورج اليوم في السوق فسد البيع، وإن كانت تروج لكن انتقصت قيمتها لا يفسد البيع. وقال في الخانية: لم يكن له إلا ذلك. وعن أبي يوسف: أن له أن يفسخ البيع في نقصان القيمة أيضاً، وإن انقطعت تلك الدراهم اليوم كان عليه قيمة الدراهم قبل الانقطاع عند محمد، وعليه الفتوى. وفي عيون المسائل عدم الرواج إنما يوجب الفساد إذا كان لا يروج في جميع البلدان؛ لأنه حينئذ يصير هالكاً ويبقى المبيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة فقط فلا يفسد البيع؛ لأنه لا يهلك ولكنه تعيب، وكان للبائع الخيار إن شاء قال أعطني مثل الذي وقع عليه البيع، وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير. انتهى. وتمامه فيها. وكذلك في الفصل الرابع من الذخيرة البرهانية، والحاصل أنها إما أن لا تروج وإما أن تنقطع وإما أن تزيد قيمتها أو تنقص. فإن كانت كاسدة لا تروج يفسد البيع، وإن انقطعت فعليه قيمتها قبل الانقطاع يتخير المشتري كما سيأتي، وكذا إن انتقصت لا يفسد البيع وليس للبائع غيرها. وما ذكرناه من التفرقة بين الكساد والانقطاع هو المفهوم مما قدمناه.


(١) الوسمة: نبات عشبي زراعي للصباغ. النيل: مادة للصباغ مستخرجة من النبات. والصباغ نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>