للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: ما تعلق بالذمة من مال لا تزال ماليته قائمة ومعتبرة إلا أن قيمته المالية نقصت قبل قبضه.

أما المسألة الأولى فقد ذكرها الكاساني في بدائع الصنائع فقال: لو اشترى بفلوس نافقة ثم كسدت قبل القبض انفسخ العقد عند أبي حنيفة رحمه الله وعلى المشتري رد المبيع إن كان قائماً وقيمته أو مثله إن كان هالكاً، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يبطل البيع، والبائع بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أخذ قيمة الفلوس، كما إذا كان الثمن رطباً فانقطع قبل العقد.

ولأبي حنيفة أن الفلوس بالكساد خرجت عن كونها ثمناً؛ لأن ثمنيتها تثبت باصطلاح الناس، فإذا ترك الناس التعامل بها عدداً فقد زال عنها صفة الثمن ولا بيع بلا ثمن فينفسخ العقد ضرورة (١) اهـ.

ومن هذا يتضح أن الأئمة الثلاثة أبا حنيفة وصاحبيه قد اتفقوا على أن الدائن لا يلزمه قبول المثل، واختلفوا في التطبيق، فأبطل أبو حنيفة البيع لبطلان الثمن، وقال صاحباه بصحة البيع وإعطاء البائع الخيار بين فسخ البيع أو أخذ قيمة الفلوس.

وقد اختلف المالكية رحمهم الله في الثمن المتعلق بالذمة وقد أبطل السلطان التعامل به، هل يرد مثله وقت العقد أو قيمته؟ فالمشهور عندهم رد المثل والقول الآخر رد القيمة. (٢)

إلا أنه قد جاء في حاشية قليوبي تقييد الكساد بأن تكون لها قيمة وهذا نص قوله:

ويرد المثل وإن أبطله السلطان إن بقي له قيمة وإلا رد قيمة أقرب وقت إلى الإبطال (٣) اهـ.

والشافعية يرون رد المثل ولو أبطل السلطان التعامل بها، قال في الأم:

ومن سلف فلوساً أو درهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي سلف أو باع بها (٤) اهـ.

أما الحنابلة فقالوا برد القيمة، قال في زاد المستقنع وشرحه:

وإن كانت الدراهم التي دفع القرض عليها مكسرة أو كان القرض فلوساً فمنع السلطان المعاملة بها أي بالدراهم المكسرة أو الفلوس، فله أي المقرض القيمة وقت القرض؛ لأنه كالعيب فلا يلزمه قبولها وسواء كانت باقية أو استهلكها، وتكون القيمة من غير جنس الدراهم وكذلك المغشوشة إذا حرمها السلطان. (٥) اهـ.


(١) ٥/٢٤٢.
(٢) انظر حاشية الرهوني ٥/٢٢١-١٢٢؛ والزرقاني على مختصر خليل ٥/٦٠.
(٣) قليوبي وعميرة ٢/٢٥٩.
(٤) الأم ٢/٣٣.
(٥) الروض المربع وحاشيته للشيخ ابن قاسم ٥/٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>