للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ضوء ما تقدم يتضح لنا أن القول بلزوم القيمة في حال الرخص أو الغلاء قول له وجهه من النظر والاعتبار وقد قال به مجموعة من أهل العلم من جميع المذاهب، وذكر ابن عابدين أنه المفتى به في المذهب الحنفي وذكر الشيخ حسن بن حسين آل الشيخ أحد علماء الحنابلة أنه المعتمد لدينا في الفتوى.

وبمزيد من النظر والتأمل والعمق في التصور يتضح لنا أن المثلي لا يتحقق إلا إذا كان مثليًّا من حيث الجوهر والاعتبار، فلا نستطيع أن نعتبر المثلية وقد تخلف عنها بعض عناصر اعتبارها وهو نقص قيمتها، وإن كانت المثلية من حيث الظاهر موجودة فالناس لا يقصدون من تملك الأثمان أعيانها وإنما يقصدون منها قوتها الشرائية، فإذا انخفضت قوتها الشرائية فقد نقصت مثليتها. أرأيت لو أن زيداً من الناس استقر في ذمته لخالد مبلغ من المال ثم بعد ذلك نقصت قيمة هذا المال عند السداد بخمسين في المائة وقد يبلغ النقص أيضاً ألفاً في المائة كما يحصل ذلك في قضايا العملات الورقية المتتابع تدنيها وانخفاضها، كيف نعتبر المثلية في هذا إلا بشيء من النظر الظاهري الموجب للتساؤل والاستغراب ثم الإنكار؟! ولا شك أن القصد الذي حدا بالقائلين بالمثلية دون القيمة هو تلمسهم رحمهم الله البعد عن الظلم، ولكنه مسلك عالج الضرر بضرر مثله فقالوا برفع الظلم عن المدين وسلكوا في تحقيق ذلك ظلم الدائن نفسه وقد يكون العكس في حال الزيادة.. وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن دعوى المثلية فجاء في الدرر السنية ما نصه:

وقال الشيخ تقي الدين في شرح المحرر: إذا أقرضه أو غصبه طعاماً فنقصت قيمته فهو نقص النوع فلا يجبر على أخذه ناقصاً فيرجع إلى القيمة وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين وعيب العين المعينة خروجها عن المعتاد (١) اهـ.

وفي ضوء ما تقدم يمكن أن نتصور في الجانب التطبيقي ثلاث حالات:

إحداها: ما إذا كان تغير السعر بنقص كان في نقد حال الأداء إلا أن المدين به ماطل الدائن في السداد مع القدرة واليسار حتى تغير السعر بنقص قوته الشرائية فهذا المدين يعتبر ظالماً الدائن بمماطلته وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((مطل الغني ظلم)) ، وقوله: ((لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)) فعلى القول بأن المدين يدفع للدائن المثل فإن القائلين بهذا القول قد لا يقولون به في هذه المسألة وإنما يقولون بضمان المدين ما نقص على الدائن على اعتبار أن مطله من باب الغصب.


(١) الدرر السنية ٥/١١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>