للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا النص من المدونة يبرز رأي مالك أنه يسوي بين الفلوس والذهب والفضة في أحكام الصرف ويطلق عليها لفظ العين، والعين كما جاء في الصحاح يطلق على الدينار ويطلق على المال الناض (١) وهو مرادف للنقد، كما يؤخذ من لسان العرب (٢) فالفلوس عند مالك نوع من أنواع النقود يجري عليها أحكام النقود في باب الصرف ولا يجوز صرفها بفلوس ولا بدنانير ولا بدراهم إلا يدًا بيد.

ويزيد هذا المعنى تأكيدًا فيقول سحنون: قلت: أرأيت إن اشتريت فلوسًا بدراهم فافترقنا قبل أن نتقابض؟ قال: لا يصلح هذا في قول مالك وهذا فاسد. قال لي مالك: لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق (٣) .

ففي المواطن الثلاثة لا يختلف قول مالك في اعتبار الفلوس نقدًا لها أحكام الذهب والفضة.

ما هي الفلوس؟

الفلوس عند مالك كل سكة يتعامل بها الناس، وكونها في زمنه من نحاس لا تؤثر مادتها في الحكم، إذ المدار على رواجها في التعامل، يقول: ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة (٤) .

وصورة الجلود التي فرضها مالك هي صورة النقود عندنا اليوم لأن الجلد في عهد مالك كان هو المادة التي تؤدي وظيفة الورق في عصرنا، وهو يشير بهذا إلى أن المادة وإن كانت لا قيمة لها فإن برواجها كنقد تأخذ أحكام النقدين، لأنه عندما تكون من نحاس لها قيمة ذاتية لمادتها، وأما إذا كانت من قطع جلود فإنه لا قيمة لمادتها إذ لا قيمة للجلد إذا قطع قطعًا صغيرة.

انضاف إلى هذا التأكيد في مواطن مختلفة من المدونة التنصيص على أن مالكًا في هذا الرأي يتفق مع شيوخه كما جاء في المدونة: "قال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس بينهما فضل أو نظرة، قالا: لأنها صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم، كما روى الليث عن يزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر قالا: وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف الفلوس بالدنانير والدراهم إلا يدًا بيد" (٥)

وجاء في المدونة أيضًا في مسألة تسليف الحديد والصوف والكتان، قال ابن وهب: قال الليث: كتب إلى ربيعة: الصفر بالصفر عرض ما لم يضرب فلوسًا. فإذا ضرب فلوسًا فهو بيع الذهب بالذهب والفضة يجري مجراهما. فيما يحل ويحرم.

قال يونس عن ربيعة أن قال: كل تبر خلقه الله فهو بمنزلة عرض من العروض. يحل منه ما يحل من العروض ويحرم منه ما يحرم من العروض إلا تبر الذهب والورق وإذا ضربت الفلوس دخلت مع ذلك.


(١) تاج العروس ج ٦ ص٢١٧٠
(٢) لسان العرب ج ٢ ص٩٤٧
(٣) المدونة ج ٣ ص٩٠
(٤) المدونة ج ٣ ص٩١
(٥) المدونة ج ٣ص٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>