للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة أدلة الفريق الثاني:

١- الدليل الأول: يعتمد العدالة التي جاء بها الإسلام، ويعتمد نفي أكل المال بالباطل الذي ظن أصحاب الفريق أنهم اعتمدوه كما جاء في كلام ابن رشد.

والعدالة أن يأخذ كل طرف حقه لا أكثر ولا أقل، فإلزام الدائن بأخذ السكة التي بطل التعامل بها فيه ظلم له، لأنه دفع ما له قيمة وأخذ عند الأجل ما لا قيمة له، ولأن المدين لو فرضنا أنه تخلد بذمته ألف فلس وكانت الفلوس يوم التعامل عشرة بدرهم.

فيكون ما أخذه مساويًا لمائة درهم لا فارق بين من يملك ألف فلس ومن يملك مائة درهم عندما يدخلان السوق، إذ يتحصل كل منهما على مقدار مساوٍ من البضاعة التي يريد كل منهما أن يتملكها، فإذا بطل التعامل بالفلوس فإن قيمة الفلوس التي بطل التعامل بها لا تتجاوز وزنها من النحاس أو الحديد فتكون المائة فلس تساوي درهمًا.

فالمدين يدفع ما قيمته عشرة دراهم فيما قبضه وقيمته مائة درهم، لا يقال هذا هو الأمر لو تسلف قفيزًا من القمح ورخص ثمنه وذلك لأن قفيز القمح يتملك للانتفاع به ومنفعته باقية لم ينقص منها – فيما تراد له عادة وهو التغذية - شيء، إذ هو يعطي وحدات حرارية متساوية، فقيمته الغذائية لا تختلف وحاجة الناس إليه ولا تنقص.

بخلاف الفلوس التي بطل التعامل بها فهي كالقمح الذي نخره السوس ولم يبق من وحداته الحرارية إلا الشيء القليل.

٢- الدليل الثاني: قياس إبطال الفلوس على انعدام المسلم فيه أنه يعود للمسلم ما دفعه.

وفي هذا الدليل نظر إذ ظاهره أنه لا يثبت المدعى وذلك لأن الذي عاد إلى المسلم عين ما دفعه دون نظر إلى حوالة الأسواق.

تغير الفلوس بضعف قدرتها الشرائية:

إن التأمل في الاتجاهين الذين سبق ذكرهما يستخلص بواسطته التسوية بين انقطاع الفلوس وبين انخفاض قيمتها الشرائية.

١- فبالنسبة للرأي الأول القائل بأن الديون تقضى بنفس السكة وإن انقطع التعامل بها. نجد:

أ- نص مالك في المدونة: أنه إذا رخصت الفلوس حتى على النصف من القيمة أن المدين يدفع نفس السكة التي تسلمها أو تخلدت بذمته ولا يلتفت إلى الزيادة ولا ينفذ الشرط كحكمها عند الانقطاع.

ب- الحدة التي ظهرت من ابن رشد على المفتي الذي أفتى بأنه يرجع إلى القيمة عند انقطاعها: فهو يلغي النظر إلى القيمة مطلقًا، فلا فرق بين انخفاضها أو زوال الفلوس من التعامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>