للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: التضخم ومقياسه:

يعرف التضخم بأنه ارتفاع في المستوى العام للأسعار، ومعنى ذلك أننا لو تصورنا أن المجتمع، أو البلد، كله ينتج سلعة واحدة فإن معنى التضخم، هو ارتفاع سعر هذه السلعة، دون أي تحسن – مقابل زيادة السعر - في كمية أو نوعية السلعة، فمعنى التضخم إذن، أن وحدة النقود نفسها لم تعد تقوى على شراء ما كانت تستطيع شراءه قبل التضخم، فهو إذن انخفاض في القوة الشرائية للنقود.

وبما أن المجتمع ينتج كثيرًا من السلع والخدمات، وليس سلعة واحدة فريدة، فإنه لا بد من تعريف معنى كلمة "المستوى العام للأسعار". لذلك نقول: لو أمكن حصر جميع السلع والخدمات، التي يتم تداولها، في المجتمع كله، ومعرفة الكميات التي تباع من كل منها، والأسعار التي تباع بها، ثم حسبنا مجموع أثمان كل الكميات المتداولة، من جميع السلع والخدمات، وقسمنا مجموع الأثمان على مجموع الكميات المباعة، فالرقم الذي نحصل عليه هو المستوى العام للأسعار، وإذا كررنا هذه العملية كل سنة مثلًا، ثم قسمنا مستوى أسعار سنة ما على التي سبقتها، لعرفنا نسبة التغير السنوي، فلو كان المستوى العام لأسعار سنة ١٩٨٥ مثلًا، سبعين، ومستوى أسعار سنة ١٩٨٦ أربعًا وثمانين، فإن نسبة التضخم، من عام ١٩٨٥ إلى عام ١٩٨٦م، هي (٨٤-٧٠/٧٠) = ٠.٢٠ أو ٢٠ %.

ومن الواضح، أن صعوبة هذه العملية في أي مجتمع يقوم على اقتصاد السوق، بالغة جدًّا، إذ لا يمكن حصر جميع السلع والخدمات، التي تباع في الاقتصاد كله، خلال العام كله، كما أن السلعة الواحدة قد تباع مرات عدة، حتى تصل إلى يد مستهلكها، أو مشتريها الأخير، لذلك لم يكن بد من الاعتماد على أسلوب العينات Sampling، ثم التمييز بين مجموعات من السلع والخدمات، كل ذلك من أجل إيجاد أسلوب حسابي عملي للتعبير عن فكرة المستوى العام للأسعار، بشكل مقبول ومفيد. فنجمع عينة من عدد من السلع والخدمات الاستهلاكية، ونطلق على الرقم الذي نصل إليه اسم مقياس الأسعار الاستهلاكية، ونجمع عينة من أسعار الأسهم، ونطلق عليه اسم: مقياس أسعار الأسهم، ونجمع عينة من أسعار السلع والخدمات الوسيطة، التي يشتريها الصناع والتجار، لا المستهلكون، ونطلق على ما نصل إليه اسم "مقياس الأسعار الصناعية". ومثل ذلك لما يسمى "مقياس أسعار الجملة للسلع الاستهلاكية" (١) وغيره.

وبما أنه لا يمكن حصر جميع السلع، والخدمات، في أي من هذه الزمر أيضًا، لأسباب عديدة – معروفة لدى أهل الاختصاص - فإنه لا بد من اختيار عدد معين من السلع والخدمات في كل زمرة، وتحديد موقع جغرافي، وفترة زمنية للأسعار والكميات. فنختار مثلًا مائتي صنف، مما نعتقد أنه يشمل أهم ما يشتريه المستهلكون، من سلع وخدمات، في مدينة فاس في شهر يناير، من عام ١٩٩٥م، ونرسل الباحثين في المدينة ليسجلوا الكميات والأسعار خلال ذلك الشهر، وبتكرار ذلك، كل شهر يناير نحصل على مقياس الأسعار الاستهلاكية لمدينة فاس محسوبًا في يناير من كل عام، (مع ملاحظة تطوير المائتي صنف بإدخال الجديد، وإلغاء القديم) وكثيرًا ما يؤخذ طريق السهولة في تسجيل الأسعار، فتجرى دراسات تحدد وزن كل صنف في مجموع ما يشتريه المستهلك في المدينة، وتؤخذ أسعار يوم واحد من الشهر، أو متوسط السعر لكل صنف خلال أيام الشهر كلها، ثم تضرب هذه الأسعار بالأوزان المحددة لكل صنف، لنصل إلى رقم هو "مقياس الأسعار الاستهلاكية" (٢)

ونطلق على السنة التي نعتبرها سنة أولى في حسابات المقياس اسم سنة الأساس، ونعتبر رقمها مائة، ثم تنسب إليها السنوات الأخرى. فنصل مثلًا إلى قائمة تشبه التالية:


(١) إن عملية إنشاء، وتطوير مقاييس الأسعار عملية معقدة، لا بد فيها من أخذ عوامل متعددة بعين الاعتبار، أهمها: ١- دخول سلع وخروج أخرى في سلة الاستهلاك. ٢- التغير في النوعيات، ٣- تأثير الأسعار الفردية للسلع (الأسعار النسبية) على سلة الاستهلاك، ٤- تأثير التغير في الأذواق والثقافة، ٥- التأثيرات السياسية والاجتماعية، ٦- تغير تركيب الأعمار للسكان، وغيرها من العوامل.
(٢) ومما هو جدير بالذكر أن مقياس الأسعار الواحد قد تحسبه جهات متعددة، فتصل إلى نتائج متفاوتة. فنجد مثلًا مقياس أسعار الاستهلاك بحساب اتحاد نقابات العمال، أو بحساب الغرفة التجارية الصناعية، أو بحساب وزارة التجارة. أو بحساب إحدى الصحف أو المجلات المتخصصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>