للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إن سهولة إصدار النقود المعاصرة، والدور الكبير للمصارف في ذلك جعل الحكومات ترغب بلعب دور كبير فيما يتعلق بالنقود، إصدار، وإدارة، ورقابة، وتنظيمًا. فالحكومات التي كان دورها في الماضي ينحصر بتقديم الخدمات العامة، الإدارية والأمنية، وكانت تراقب دار السكة فقط، صارت تصدر النقود الورقية، وتغير قيمتها، وتزيد في كمياتها أو تنقص، وتراقب الإصدار المصرفي للنقود، وتفرض القيود والقواعد، مما يقيد قدرة المصارف في الزيادة والإنقاص من كمية النقود، ونشأت عن ذلك إجراءات وسياسات طويلة، عريضة، هي ما نسمه بالسياسات النقدية، وهي عبارة عن إجراءات وأعمال تستند كلها إلى السلطة على كمية النقود، واستعمالاتها، بحيث صارت الدولة تملك القدرة عن طريق الفعل، أو الامتناع عن الفعل، على التأثير على كمية النقود في المجتمع، وعلى الكثير من مناحي استعمالاتها.

٣- نلاحظ من النظر في أنواع التضخم، وأسبابه، أن بعض هذه الأسباب ترجع إلى أوضاع وأحوال اقتصادية من نوع عناصر العرض والطلب، وهذه قد تؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة داخل البلد (أي قوتها الشرائية) ، عند زيادة الطلب عليها أكثر من عرضها، أو إلى انخفاض قوتها الشرائية (أي التضخم) ، عند زيادة عرضها، وهذه القوى الاقتصادية الحقيقية تتمثل في الزيادة والنقص في الطلب على السلع والخدمات من قبل القطاعين الخاص والعام، أو الزيادة والنقص في عرض السلع والخدمات. وهذا النوع من الأسباب هو ما يتضح في الفقرات: أ، وب، وهـ (وهو في هـ زيادة أسعار سلع خارجية وليس زيادة طلب) .

ومن جهة أخرى، فإن التضخم الناشئ عن إصدار النقود من قبل الحكومة، ومن قبل القطاع المصرفي، وهو ما ذكرته الفقرتان: ج، ود من أنواع التضخم، يرتبط بالسلطة، بشكل من الأشكال، وليس بالعوامل السوقية المعروفة، فهو ينشأ عن ممارسة الدولة لسلطتها في إصدار النقود، بشكل يزيد عن الحاجة، من أجل تمويل عجز الميزانية، أو ممارسة البنوك لسلطة إصدار النقود، بسبب طبيعة النظام المصرفي، الذي يمنح البنوك مثل هذه السلطة، مع عدم منع الدولة للمصارف من فعل ذلك.

ونلاحظ أخيرًا، أن ارتفاع وانخفاض قيمة النقد الناشئين عن عوامل السوق، هما من نوع الرخص والغلاء في قيمة الذهب والفضة اللذين كانا يحصلان في ظل النقود السلعية. فكان سعر المعدن الثمين يرتفع، أو ينخفض، بسبب تغيرات في تكلفة إنتاجه، ونقله، أو بسبب تغيرات في الطلب على النقود، وفي عرضها، وهذه بدورها تعكس تغيرات في عرض السلع والخدمات، والطلب عليها، وسائر التغيرات في الظروف المحيطة بذلك، مما يزيد، أو ينقص الرغبة في الاحتفاظ بالنقود (أو بالقيمة) إلى المستقبل، كالحروب، وتوقعات التغيرات في السياسية والاقتصادية، وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>