للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا والقول بتحريم الوسائل التي تستلزم المتوسل إليه قائم في أغلب صوره في الظن والتوهم والتخمين وشتان بينهما.

ولذلك كان مسلك الشافعي رحمه الله في عدم أخذ الناس بالتهم وإفساد تصرفاتهم بالظن مسلكًا صحيحًا وسليمًا يتفق مع ما دلت عليه نصوص الشريعة السمحة من أخذ المكلفين بظواهرهم وترك سرائرهم إلى الله تعالى (١) . لكن الإمام الشاطبي له وجهة نظر أخرى حيث يقول:

إن الشافعي يأخذ بمبدأ سد الذرائع إذا ظهر القصد إلى المآل الممنوع حيث يقول عند كلامه على مذهب الشافعي: ولكن هذا بشرط ألا يظهر قصد إلى المآل الممنوع ولأجل ذلك يتفق الفريقان على أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان بإطلاقه.

وقال: لا يصح أن يقول الشافعي: إنه يجوز التذرع إلى الربا بحال، إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد الممنوع (٢) .

يتحرر لدينا مما تقدم: أن الذرائع التي هي محل الخلاف إنما هي الوسائل التي ظاهرها الجواز إذا قويت التهمة في التطرق بها إلى الممنوع، وهذا ما أشار إليه الشاطبي في القسم الرابع المستخلص من تقسيماته وهو:

كل فعل مأذون فيه بالأصل ولكنه طرأ عليه ما جعله يؤدي إلى المفسدة كثيرًا لا غالبًا.

ويدخل في ذلك ما عده ابن القيم قسمًا وسطًا بين ما جاءت الشريعة في طلبه وما جاءت بمنعه، وهي: كل وسيلة مباحة قصد التوصل بها إلى المفسدة، أو لم يقصد التوصل إلى المفسدة لكنها تفضي إليها غالبًا ومفسدتها أرجح من مصلحتها.

وهذا المعنى الخاص للذريعة هو المراد لدى الأصوليين والفقهاء عند بحثهم في الذرائع وسدها، ولقد عبر الشاطبي عن هذا المعنى بقوله: إن حقيقتها التوصل بما هو مصلحة إلى مفسدة. وسد الذرائع على هذا المعنى هو حسم مادة أو وسائل الفساد بمنع هذه الوسائل ودفعها (٣) .


(١) د. مصطفى البغا. أثر الأدلة المختلف فيها ج٢ ص ٥٧٩
(٢) الشاطبي: الموافقات: ج٤ ص ٢٠٠
(٣) الموافقات: ج٤ ص ١٩٨ ـ ٢٠٠ تبصرة الحكام: ج٢ ص ٣٧٦، أثر الأدلة المختلف فيها ص ٥٧٣

<<  <  ج: ص:  >  >>