للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتح الذرائع:

وقد مرت تفاصيل سد الذرائع وأمثلته، وأما فتح الذرائع فمعناه طلب الخير وفيه مطلبان:

المطلب الأول: رعاية الكتاب الكريم لمصالح الخلق ولا ريب أن الشريعة الإسلامية قد راعت مصالح الخلق تمامًا، ويبنى عليها سعادة الدنيا والآخرة، ولا خير إلا دلت عليه ولا مصلحة إلا أرشدت إليها، وإنها وضعت لرعاية مصالح الخلق ولدفع المفاسد عن الناس يقول ابن القيم:

الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة (١) .

والمطلب الثاني: تحقيق المصالح من الناحية الإيجابية والدليل عليها في واقع التشريع ما أشار إليه الدكتور محمد هاشم البرهاني.

" المقاصد التي تعود تكاليف الشريعة إليها بالحفظ ثلاثة:

الأول: المقاصد الضرورية وهي التي يتوقف عليها قيام مصالح الدارين وبفقدانها تختل الحياة الدنيا، ويفوت النعيم وهي خمسة: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل.

الثاني: المقاصد الحاجية، وهي التي تفتقر إليها للتوسعة ورفع الحرج والضيق عن الخلق كسائر المعاملات من بيع وشراء وإجارة ورهن وما إلى ذلك.

الثالث: المقاصد التحسينية: وهي التي ترجع إلى محاسن العادات ومكارم الأخلاق ولا تبلغ مبلغ المقاصد الحاجية ولا الضرورية كآداب المأكل والملبس والمسكن (٢) .

وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية هذه المقاصد، وراعتها كل المراعاة ووضعت قواعدها العامة وبنت أصولها الأساسية وإن فتح الذرائع إلى كل خير وبر معروف؛ لأن الخير وصف يلزم كل أمر تمخض لمصلحة راجحة أو كان يؤدي إلى مصلحة راجحة، فما كان يؤدي إلى المصلحة فهو ذريعة ولا شك بوضوح الإفضاء فيه، وأما ما كان يتمحض بنفسه لمصلحة فضلًا عن الفائدة فنادر الوجود في الواقع (٣) .


(١) إعلام الموقعين ٣/١٤
(٢) ملخص من سد الذرائع ٣٤٤ وما بعدها
(٣) الموافقات للشاطبي ٢/٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>