للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف الشافعية من سد الذرائع:

كان أكثر الفقهاء أخذًا بالذرائع أحمد ومالك رضي الله عنهما، وأقل الفقهاء أخذ بها الشافعي، وكان أبو حنيفة وأصحابه أقرب إلى الشافعي في القلة، ولم يقاربوا مالكًا وأحمد، وذلك بعد إجماع الجميع على نوع من الذرائع أخذًا، وعلى نوع آخر ردًا، كما أجمعوا على أن ما يؤدي إلى إيذاء جمهور المسلمين ممنوع لا محالة، كحفر الآبار في الطريق، أو إلقاء المواد السامة والمتعفنة في مياه الشراب.

كما أجمعوا أيضًا على أن ما يكون سبيلًا للخير كما يصلح أن يكون سبيلًا للشر لا يكون ممنوعًا، كغرس العنب، فإنه يؤدي إلى عصره وتخميره، ولكن لم يكن ذلك بأصله، ولأن استخدامه لذلك احتمالي، والمنفعة في غرسه أكبر من هذه المضرة، والعبرة بالأمر الغالب أو الراجح في الظن.

فإذا تمخض غرسة لتخميره كأنواع من العنب لا تصلح إلا للخمر أصبح حرامًا وسد الذريعة فيه واجبًا (١) . وقد أبطل الشافعية العمل بسد الذرائع لسببين اثنين:

السبب الأول: أن سد الذرائع مظهر من مظاهر الاجتهاد بالرأي وهم لا يأخذون منه إلا بالقياس؛ لأن العلم عندهم خمس طبقات نص عليها الإمام الشافعي بقوله: " العلم طبقات شتى:

الأولى: الكتاب والسنة إذا ثبتت.

الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.

الثالثة: أن يقول أصحاب النبي قولا ولا نعلم له مخالفًا منهم.

الرابعة: اختلاف أصحاب النبي.

الخامسة: القياس على بعض الطبقات. ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى" (٢) .


(١) أبو زهرة أحمد بن حنبل ٣٢٤
(٢) الأم ج٧ ص٢٨٧ ـ ٣٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>