للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- بين الحيلة وبين سد الذرائع:

الحيلة، والاحتيال، والتحيل: الحذق أو جودة النظر، والقدرة على دقة التصرف. ومن معانيها في اللغة والعرف: المكر، والخديعة، والكيد فتطلق على الفعل الذي يقصد به فاعله إنزال مكروه بغيره. وقد يقصد بها الوجه المحمود ومنه ما وصف الله تعالى بها نفسه بقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: ٥٠] وقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] .

وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥-١٦] فإنه سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص، ومنه استدراج الغير لما فيه مصلحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة) (١) . والحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب، وترك المحرم، وتخليص الحق، ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي (٢) .

وتحته أيضا التوصل إلى استحلال الحرام وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات، وقد غلب استعمال الحيلة في عرف الفقهاء على الممنوع المذموم منها.

وقد أطلق الفقهاء أيضا الحيلة على ما يخرج من المضايق بوجه شرعي ليكون مخلصا شرعيًا. وفرق العلماء بين نوعين من الحيل: النوع الأول:

ما يهدم أصلا من الأصول التي اعتبرها الشارع، أو يناقض مصلحة من المصالح التي راعاها الشرع سواء كانت الوسيلة إلى ذلك مشروعة أم غير مشروعة فهذا النوع حرام وممنوع.. لأن الأحكام الشرعية إنما أقيمت لمصالح معينة اعتبرها الشارع الحكيم. ولأن الأعمال وإن أخذت صورتها المشروعة ظاهرا وسائل لا تقصد لأنفسها بل للمعاني المقصودة منها وهي المصالح التي شرعت لأجلها.

فلو أجيز لفتح أمام كثير من الناس الانطلاق من قيود الشريعة والتحلل من التكاليف ولنضرب مثلا لذلك الزكاة التي شرعها الله لمصالح دينية وخلقية واجتماعية:

امتثالا لأمر الله تعالى، ورفعا لرذيلة الشح، ورفقا بالفقراء والمحتاجين، وتعاونا على البر والتقوى. فمن أخرج أمواله عن ملكه قبل انتهاء الحول بهبة صورية ليسترجعها بعد مرور الحول اسقاطا للحق المفروض عليه للفقراء في هذا المال وهربا من وجوب الزكاة فقد ارتكب إثما كبيرا وظلما عظيما ومكن لرذيلة الشح من نفسه، وأوغر صدور الفقراء ضده. وكخلع الحيلة: وهو أن يعلق الطلاق بشرط محقق تعليقا يقع به، ثم أراد منع وقوع الطلاق عند تحقق الشرط فخالعها حتى بانت ثم تزوجها بعد ذلك.


(١) كتاب الجهاد من صحيح البخاري
(٢) انظر إعلام الموقعين

<<  <  ج: ص:  >  >>