للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل يشترط أن يكون العيب المراد الرد به قديمًا؟

يتفق الفقه على أن العيب السابق على العقد وكذلك المقارن له أي الحادث أثناء العقد يجوز به الرد. أما إذا كان العيب طارئًا بعد العقد فقد ذهب المالكية على أنه إذا كان العيب الطارئ على العقد في الزوجة لم يكن للزوج خيار الرد مطلقًا، وهو مصيبة حلت به وله حق الطلاق.

وأما العيب الطارئ على الزوج بعد العقد فلهم تفصيل في ذلك حيث قالوا: للزوجة فقط الرد بالجذام البين ضد الخفي وإن قل، والبرص المضر أي الفاحش الحادثين بعد العقد سواء بعد العقد وقبل الدخول أو بعد الدخول (١) .

وذهب المالكية إلى العيوب التي يرجى البرء منها يجب التأجيل فيها كالجنون والبرص والجذام والرتق والقرن والعفل والبخر فإذا كان البرء منها مرجوًا يؤجله القاضي بحسب ما يراه مناسبًا، شهرًا أو شهرين ولم يحدوا لذلك حدًا (٢) .

ويرى الشافعية في العيب القديم: يخير به الزوج مطلقًا، أما العيب الحادث بعد العقد: فإذا كان العيب الحادث في الزوج تخيرت قبل الدخول جزمًا وبعد الدخول على الأصح. وإن كان العيب حادثًا بالزوجة بعد العقد، في القديم عند الشافعي لا يخير الزوج لتمكنه من الطلاق بخلافها، وفي القول الجديد أنه يخير كالزوجة لتضرره بالعيب القديم، ولا معنى لإمكان تخلصه منها بالطلاق دونها لأنه سيغرم نصف الصداق لها قبل الدخول دون الفسخ بالعيب (٣) .

وعند الحنابلة ذكر ابن قدامة عن الخرقي من الحنابلة يثبت الخيار في العيب القديم والعيب الحادث بعد العقد.

وذهب أبو بكر وابن حامد من الحنابلة إلى أن العقد يفسخ بالعيب القديم والمقارن للعقد لا الطارئ عليه لأن العقد أصبح لازمًا، فلا يفسخ (٤) .

وظاهر كلام الخرقي أن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به من القول والاستمتاع للزوج والتمكن من الزوجة وذكر القاضي أنه على الفور (٥) .

خامسًا: هل أسباب الفرقة للعيوب محصور فيما ذكره

الفقهاء من عيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة؟

ظاهر نصوص الفقهاء توحي بحصر أسباب الفرقة للعيوب في هذه الأمراض.

فقد جاء في بداية المجتهد وفي حكم الرد، فاتفق مالك والشافعي على أن الرد يكون من أربعة عيوب: الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء (٦) . وجاء في مغني المحتاج قوله: واختصار المصنف على ما ذكره من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها، قال في الروضة: وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور (٧) . وكذلك ما أورده ابن قدامة ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجنون والجذام والبرص ... (٨) .

مع ذلك إننا نجد نصوصًا للفقهاء تدل على عدم حصر التفريق على العيوب التي ذكروها، وإن ما ذكر إنما على سبيل المثال لا الحصر لديهم، فقد يكون باعتبار شهرة هذه الأمراض ومسمياتها عندهم دون الأخرى، أو عدم معرفة أسماء الأخرى، وإن كان الجامع بينها هو الضرر والنفور والخوف من العدوى، منها ما ذكره الكاساني من قول محمد بن الحسن: خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون والجذام والبرص شرط للزوم النكاح حتى يفسخ النكاح وهي قد جاءت بصيغة التمثيل (٩) .

وكذلك ما جاء في بداية المجتهد حيث يقول ابن رشد: واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة، فقيل لأن ذلك شرع غير معلل، وقيل لأن ذلك مما لا يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى وقيل لأنها يخاف سريانها إلى الأبناء، وعلى هذا التعليل يرد القرع، وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما خفي على الزوج (١٠) .

ومن ذلك ما قاله ابن تيمية في الاختيارات العلمية: وترد المرأة بكل عيب ينفر من كمال الاستمتاع (١١) . وكذلك ما ذكره ابن قيم الجوزية: وأما الاقتصار على عيبين وستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها , مساو لها بلا وجه له.

فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات. وقوله: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار (١٢) .


(١) الخرشي ج ٣ ص ٢٣٧؛ الدسوقي ج ٥ ص ٢٧٨ – ٢٨٠
(٢) وإن ذكر الخرشي بالنسبة للبرص والجذام سنة وفي برص وجذام رجي برؤهما سنة (ش) في بعض النسخ بإثبات الواو، أي وأجلا في الجنون وفي الجذام والبرص حيث رجي برء من ذكر سنه ولا فرق بين ما كان من هذه قبل العقد وما حدث بعده
(٣) مغني المحتاج ج ٣ ص ٢٠٣ – ٢٠٤؛ منهاج الطالبين للنووي ص ١٠٠
(٤) المغني ويليه الشرح الكبير ج ٧ ص ٥٨٣ – ٥٨٤
(٥) الشرح الكبير ج ٧ ص ٥٨٣ – ٥٨٤
(٦) ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقصد ج ٢ ص ٦٢
(٧) مغني المحتاج ج ٣ ص ٢٠٢
(٨) المغنى ويليه الشرح الكبير ج ٧ ص ٥٨٠
(٩) انظر بدائع الصنائع ج ٢ ص ٣٢٧
(١٠) بداية المجتهد ج ٢ ص ٦٢؛ وكذلك الخرشي ج ٣ ص ٢٣٧ – ٢٣٨
(١١) نقلا عن الموسوعة الفقهية الكويتية ج ٢٩ تحت لفظ طلاق ص ٦٩
(١٢) زاد المعاد ج ٤ ص ٣٠ – ٣١، كذلك ابن قدامة المغني ويليه الشرح الكبير ج ٧ ص ٥٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>