للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر آخر، هل يعتبر مرض الإيدز مرض موت؟ هذا أمر أفتي فيه ورفعت فيه توصية، وأرى أنه ينبغي عليَّ أن أفصل بعض التفصيل وإن لم يكن طويلا في هذه النقطة لعلها تزيل كثيرا مما علق في أذهان مصدري ذلك القرار. فمن المعلوم أن حياة مريض الإيدز قد تطول وإن كانت نهايته بحسب معارف اليوم محتومة بسبب هذا المرض، لأنه كالمصاب بالسرطان يمكن أن يعيش سنين عديدة، وقد أثار هذا الوباء والذي لم يسبق له نظير في التاريخ كثيرا من الرعب والذعر والخوف، ففي أوربا أظهر استطلاع رأي أجرته ثماني صحف أوربية في بلدان مختلفة أن كلمة (الإيدز) ليس لها غير مدلول واحد لدى الناس وهو الموت، وأن الكلمتين أصبح لا فرق بينهما على الإطلاق. ولنعد إلى تعريف مرض الموت عند الفقهاء بعد أن عرفنا مدلوله عند من انتشر فيهم، فقد جاء في بدائع الصنائع: (والحاصل أن مرض الموت هو الذي يخاف منه الموت غالبا) . وذهب كثير من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه: (ما يحصل الموت عنه وإن لم يغلب) . قال الدردير: (وحجر على مريض ذكرا كان أو أنثى إذا مرض مرضا ينشأ الموت عنه عادة وإن لم يغلب الموت عنه) . وقال النووي: (قال الإمام: لا يشترط في المرض المخوف كون الموت منه غالبا بل يكفي ألا يكون نادرا) . ونقل البعلي عن ابن تيمية – رحمه الله – النص الآتي: (ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب الموت منه، ويتساوى في الظن جانب البقاء وجانب الموت، لأن أصحابنا جعلوا ضرب ... من الأمراض المخوفة وليس الهلاك غالبا ولا مساويا للسلامة وإنما الغرض أن يكون مسببا صالحا للموت فيضاف إليه ويجوز حدوثه عنده، واقرب ما يقال ما يكثر حصول الموت منه، فلا عبرة بما يندر منه. ولا يجب أن يكون الموت منه اكثر من السلامة) . وقال في شرح العناية: (مرض الموت هو الذي يخاف منه الهلاك غالبا، ولا شك في خوف الهلاك من المرض، بل إن الموت منه والسلامة ميؤوس منها حسب معارف ...) .

<<  <  ج: ص:  >  >>