للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سابعا: شرط أن لا يكون مما ذبح على النصب:

حرم الله تعالى لحم {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] ، والنصب: مفرد جمعه أنصاب، وقيل: النصب جمع نصيبة، وفسرها صاحب القاموس بأنها حجارة كانت تنصب حول الكعبة يذبح عليها، وقال صاحب اللسان: هو كل ما نصب فعبد من دون الله تعالى. وهذا صحيح، فقد كان بعض العرب إذا لم يجد صنما يعبده نصب حجرا فعبده، والحمد لله الذي أنقذ العرب من هذا ببعثه محمدًا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه جميعا.

فلو تصور أن يقع هذا في العصر الحاضر من بعض القبائل الضاربة في التوحش والجهالة، أو التي تزعم التمدن والرقي والعراقة، كان حراما ولم يحل لمسلم أن يأكل منه.

على أن الملاحظ أن فقهاء الشريعة لم يعرضوا في كتبهم الفقهية الشاملة لهذا النوع من الذبائح، ولعلهم رأوه داخلا فيما ذكره الله تعالى في أول الآية نفسها، وهو ما أهل به لغير الله. وقد نقل القرطبي عن جابر بن زيد أبي الشعثاء تلميذ ابن عباس أنه قال: "ما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله شيء واحد"، وقال ابن عطية المفسر: "ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله " (١)

إلا أننا نرى أن إفراد الله تعالى لهذا النوع عنوانا خاصا يقتضينا أن نفرده أيضا من أجل لفت أنظار المؤمنين إليه.

وعلى هذا لا يحل للمسلم أن يقصد حجراً معينا، أو كومة أحجار، أو قبرا، أو شيئا مبنيا، أو علم دولة، أو صورة ملك أو شيخ، فيذبح عليه من أجل أن فيه نفعًا، أو أنه يرى فيه نفعا، أو يخشى منه ضررا، أو يذبح عنده تعظيما لصاحبه أو تقربًا إليه.

والذبح عند القبور جعله ابن تيمية شبيها بما كان يفعله أهل الجاهلية، كانوا إذا مر أحدهم بقبر من يعظمه عقر ناقته عنده، وقد أخرج أحمد وأبو داود حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عقر في الإسلام)) ، قال عبد الرزاق: "كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقال: كره أحمد أكل لحمه ". (٢)


(١) تفسير القرطبي: ٦/ ٥٧
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم، ص ٣٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>