للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا الاتجاه سار العلامة ابن حجر في شرحه لحديث ((إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب)) فقال: ((لا تكتب ولا تحسب)) تفسير لكونهم كذلك، وقيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، وقال في المكان نفسه: فإن تعليق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية دون الحساب يستمر ولو حدث فيما بعدهم من يعرف الحساب، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم أصلًا، ويوضحه قوله في الحديث الماضي: ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ولم يقل فاسألوا أهل الحساب والحكمة في ذلك أن يستوي الناس فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم.

كما ذكر العلامة ابن حجر في نفس المكان تعليق ابن بطال الذي قال في حديث ((إنا أمة أمية)) رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما لمعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف، ولاشك أن في المراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته الطويلة حول الهلال في استدلاله على عدم جواز الاعتماد على الحساب "أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لمطلع الهلال حسابًا مستقيمًا بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية وقد سلكوا طرقًا كما سلك الأولون منهم لم يضبطوا سيره إلى التعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد وإنما هو تقريبي".

وقال في فقرة أخرى من نفس الرسالة: "فالذي جاءت به شريعتنا هو أكمل الأمور لأن ضبط وقت الشهر بأمر طبيعي ظاهر عام تدركه الأبصار، فلا يضل أحد عن دينه ولا يشغله مراعاته عن شيء مخصص له ولا يدخل بسببه فهما لا يعنيه ولا يكون طريقًا إلى التلبيس في دين الله كما يفعل بعض علماء أهل الملل بمللهم وقال في نفس الرسالة "ما ذكرنا من أن الأحكام مثل صيام رمضان متعلقة بالأهلة لا ريب فيه لكن الطريقة إلى معرفة طلوع الهلال والرؤية لا غيرها" وقال: "والمعتمد على الحساب في الهلال كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين فإنه مخطئ في العقل وعلم الحساب فإن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرؤية لا تنضبط بأمر الحساب".

<<  <  ج: ص:  >  >>