للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو تدبرنا كل هذا لتبينا أن المريض الذي يحتاج إلى العلاج أبيح له الإفطار، وأن المريض الذي يستطيع الصيام ولكنه يحتاج إلى العلاج يدخل في قوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} لا كما يزعم جمهرة المفسرين من أن (لا) النافية حذفت، وما لهم من قرينة ولا دليل. فمادة (أطاق) في اللغة العربية تعني: استطاع مع مشقة، تماما كما حدد معنى الرخصة الشاطبي - رحمه الله - وهو مَنْ هو في فهم حقائق القرآن. لو تدبرنا كل ذلك لأغنانا عن هذا التهويم في البحث عن ما يفطر وما لا يفطر من الحقن والبخاخات وما إلى ذلك

فالله - سبحانه وتعالى - أرحم بعباده وأرأف من أن يحرجهم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (مِنْ) التبعيضية. فنحن لسنا بمحرجين، لنا أن نفطر كلما اضطرنا مرض ما أيًّا كان إلى هذا الإفطار، ومنه الضعف الذي يخشى من الصيام معه ازدياد المرض وهو نوع من المرض، لا كما وهم بعض الناس من أن الضعف شيء غير المرض، فهو لا يمكن أن ينتج إلا عن مرض، ووجوده مرض لأن المرض معناه انعدام حالة الاعتدال الطبيعي في الإنسان، فكلما وجد هذا الانعدام كان المرض، ولذلك قال تعالى: {مَرِيضًا} ولم يحدد مرضًا معينًا، أطلقه بالتنكير. ولا أعلم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانًا يخصص هذا المرض.

وشيء آخر أود أن أعرض له قبل أن أختم هذه الكلمة التي أخشى أن يكون الرئيس العزيز يوشك أن ينبهني إلى ضرورة ختامها وهو التدخين. التدخين بصرف النظر عما إذا كان مغذيًا أو غير مغذٍّ، ينسرب إلى الجوف أو لا ينسرب، التدخين حرام واقترافه في رمضان مفطر ناقض للصيام؛ لأنه إسراف وتبذير وإضرار بالجسم وخبيث، وإنما أحل الله للمسلمين الطيبات وحرم عليهم الخبائث. فلسنا بحاجة إلى البحث عما إذا كان هذا التدخين ينسرب إلى الجوف أم لا ينسرب، يغذي أم لا يغذي، كل ذلك لا معنى له. فالتدخين اقتراف لمحرم ناقض للصيام؛ لأن الكبيرة تنقض الصيام في حقيقة الأمر، وإن خالف بعض الناس. والله الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>