للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإن نسبة الذكور إلى الإناث في العالم، بل وفي كل دولة على حدة متقاربة إلى حد كبير، بتدبير الله، فلا تطغى نسبة الذكور على الإناث، ولا نسبة الإناث على الذكور، رغم سريان المنهج الطبيعي للتناسل، وترك تحديد نوع الإنسان لخالق الإنسان ومدبر الكون، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة.. قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: ٦١] .

وأيضًا فإن العقم، وهو عدم الإنجاب، لم يشكل في العالم حتى الآن ظاهرة بارزة، ولا صفة سائدة أو غالبة عمت البشر أو كادت.. ولم يبت العالم مضطربًا ولا خائفًا منها، من سطوتها وشمولها، بل خطورتها، وتهديدها للعالم بالانقراض، لا بل هي حالات فردية، قد يكون سببها عضويًا، أو نفسيًّا، أو اجتماعيًّا، أو غير ذلك من الأسباب التي يعرفها أهل الخبرة وذوو البصر بهذه الأمور، والحالات الفردية - بل والجماعية - لا يمنع المشرع الحكيم من التصدي لها بالدراسة ووصف الدواء لذي الداء دون أن يضر بالآخرين.

التداوي من الأمراض مطلوب شرعًا:

التداوي أمر مطلوب شرعًا، كما نص عليه المحققون من علماء الشريعة الإسلامية، وقد عرضنا في كتابنا (حكم نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) (١) وبينا أدلته من الكتاب والسنة، ويكفي أن نشير هنا إلى بعض الأحاديث، ومنها ما رواه أسامة بن شريك أنه قال: جاء أعرابي، فقال: يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: ((نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)) . (٢)

وعن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لكل داء دواء، فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى)) (٣)

وفي التداوي بالمحرمات، أوردنا الأحاديث التي تناولت ذلك، ومنها ما روي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)) . (٤)

وعن وائل بن حجر الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليس بدواء، ولكنه داء)) . (٥)

ورجحت جواز التداوي بالمحرمات كالدم والميتة - سوى المسكر - وذلك عند عدم وجود دواء يغني عنه، ويقوم مقامه من الطاهرات، فإذا لم يوجد غير المسكر دواء جاز التداوي به للضرورة، إنقاذًا للنفس البشرية من الهلاك.

فعلاج العقم مطلوب شرعًا لمن رغب في علاجه، وقد تطور الطب بحمد الله تعالى في علاج جميع الأمراض، ومن بينها العقم، في حالات كثيرة، وكان (طفل الأنابيب) أحد أساليب علاج هذه الحالة؛ بعد أن وضعت له الضوابط والقيود التي تؤمن مسيرة هذا العلاج في طريقها الصحيح، ومن ثم حوصرت مثالب هذه الحالة إلى حد كبير إذ أجريت تحت بصر وبصيرة الأطباء المسلمين الحاذقين العدول الذين يخشون ربهم، ولا يبيعون دينهم بدنياهم.

أما علاج العقم عن طريق الاستنساخ التقليدي، فنتيجته لا تنتج للزوجين ما أراده من ابن أو بنت لهما - كما بينا آنفًا - فهو علاج لم يصادف محله، ولم يعالج دواء، بل فجر فسادًا كبيرًا، ونشر داء عظيم الخطر على كل الناس.

* * *


(١) ينظر كتابنا (حكم نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) من ص ٢٥ -٣٦، نشر كتاب الجمهورية- مصر.
(٢) رواه أحمد
(٣) رواه أحمد ومسلم.
(٤) رواه أبو داود.
(٥) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>