للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن البنوك الإسلامية لما كانت جملة معاملاتها هي على أساس المرابحة؛ أدى ذلك إلى أن تكون أكثر أصول (موجودات) البنك الإسلامي هي الديون، لأن عمليات المرابحة كسائر البيوع الآجلة تولد ديونًا ذات أجل (١) . وهذا لا بأس به. لكن الأموال التي تستخدم للمرابحة إنما مصدرها الحسابات الاستثمارية التي اعتمدت صيغتها على المضاربة في العلاقة بين البنك وأصحاب هذه الأموال، وعلى صيغة الشركة في العلاقة بين أصحاب الأموال مجتمعين إذ كل واحد منهم يقدم حصة في شركة عنان فهم شركاء فيما تولد عن أموالهم من أصول.

ثم يستخدم البنك هذه الأموال وهي حسابات قصيرة الأجل (حصل عليها على أساس المضاربة) مدة بعضها شهر وربما تصل إلى ثلاثة أشهر أو ستة (وقد تصل في القصر إلى يوم واحد في بعض البنوك) ، يستخدم البنك الإسلامي هذه المبالغ في تمويل عمليات مرابحة تصل مددها إلى سنة وربما تصل إلى سبع أو عشر سنوات.

إن المشكلة الأساسية هي أن الفرد الذي قدم أمواله للبنك على أساس المضاربة يستطيع استرداد أمواله في نهاية ثلاثة أشهر مثلاً، وعند ذلك الوقت يجري المصرف تنضيضًا حكميًّا على أساس الدفاتر المحاسبية، ثم بناءً على ذلك تجري القسمة بين المضارب (وهو البنك) ، وأرباب الأموال وهم مجموع المودعين في الحسابات الاستثمارية وبينهم وبين البنك باعتباره مضاربًا وهم أرباب المال. بحيث يسترد هذا المستثمر رأس ماله ونصيبه من الربح.

وقد اختلف نظر الفقهاء في قسمة الأموال المشتركة فقال بعضهم: هي إفراز، وقال آخرون: هي بيع. وعلى القول إن القسمة بيع لا تجوز القسمة فيما لا يجوز بيع بعضه ببعض، فإن كان ربويًّا اشترط فيها التقابض في المجلس ويثبت في القسمة التي تكون بيعًا أحكام البيع من الخيار والشفعة وغيرهما ولا يجبر عليها من أباها. وعلى القول إنها إفراز فإن قسمة الأموال الربوية والتفرق فيها قبل القبض جائز. وهذا كله في الشركة في الدور والأرضين والطعام والحيوان.

أما الديون في الذمم فالقسمة فيها لا تجوز، لأنه بيع للدين وهو ممنوع. قال المرداوي في الإنصاف: "وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين وهو المذهب "، ثم قال: " فمحل الخلاف إن كان في ذمتين فأكثر قاله الأصحاب. أما إذا كان في ذمة واحدة فلا تصح المقاسمة فيها قولاً واحدًا، قاله في المغني والشرح والفروع وغيرهم " (٢)

فإذا كان زيد وعمرو شركاء بالتساوي في دين قدره مائة ريال، خمسون منها في ذمة عبيد وخمسون في ذمة أحمد، فهذه التي اختلفت فيها الرواية إذا قبض زيد من عبيد خمسين، فهل تكون له أم هو وعمرو فيها شركاء؟ أما لو كان زيد وعمرو شركاء في دين مقداره مائة في ذمة عبيد أو اختلفت أسهمهما في الشركة وكثر المدينون فلها فلا تجوز القسمة قولاً واحدًا؛ لأنها بيع وهي بعض مسألتنا.


(١) أما في البنوك والصناديق التي يكون غالب موجوداتها من الأصول الحقيقية كالمعدات فلا يكون لهذه المشكلة أثر، لأن القسمة عندئذ، حتى لو كانت رضائية، تقوم على أساس البيع فهي جائزة.
(٢) الإنصاف للمرداوي: ٥ / ٣٩٧؛ وانظر قواعد ابن رجب المسألة التاسعة عشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>