للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يقول في شروط المعقود عليه أن تكون المنفعة معلومة منعا للمنازعة، فإن كانت مجهولة ينظر إن كانت تلك الجهالة مفضية إلى المنازعة تمنع صحة العقد وإلا فلا؛ لأن الجهالة المفضية للمنازعة تمنع التسليم والتسلم فلا يحصل المقصود من العقد، فكان العقد عبثا (١) .

فالمعيار الذي ربط به عقود الإجارة صحة أو فسادا هو إفضاء العقد إلى تحققه بدون نزاع أو إمكانية حصول النزاع والتأويل القريب لكلا الطرفين.

الربط بين الزمن والعمل:

كل عقود الصيانة فيها ضبط موعد بداية العمل بالعقد وموعد انتهائه، زيادة عن تفصيل ما يلتزم الصائن بالقيام به من أعمال.

ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز الجمع بين تحديد نوع العمل وتحديد المدة معا؛ لأنه بجمعه بين العمل والمدة يكون المعقود عليه مجهولا، لأنه ذكر أمرين كل منهما يجوز أن يكون معقودا عليه. أعني العمل والمدة؛ أما العمل فظاهر، وكذا ذكر المدة بدليل أنه لو استأجره يوما للخبازة من غير بيان قدر ما يخبز جاز، وكان الجواب باعتبار أنه جعل المعقود عليه المنفعة، والمنفعة مقدرة بالوقت ولا يمكن الجمع بينهما في كون كل واحد منها معقودا عليه لأن حكمهما مختلف؛ لأن العقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل، لأنه يكون أجيرا خاصا، والعقد على العمل يقتضي وجوب الأجر بالعمل لأنه يصير أجيرا مشتركا،فكان المعقود عليه أحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر، فكان مجهولا وجهالة المعقود عليه توجب الفساد (٢) .

وهذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة غير مقنع، ذلك أن الجهالة منتفية باعتبار أن الأجير لا يستحق أجره إلا بالعمل الذي أنجزه خلال المدة المتفق عليها، فإذا عقد مع الأجير عقدا على أن يحرث له أرضه في الأسبوع الذي يعقب نزول المطر، فإن استحقاق الأجير للأجر نتيجة لمحصل الحراثة وكونها في المدة المتفق عليها، فلو حرث له الأرض بعد شهرين وتبخرت مياه المطر أو لم يقم بالعمل فلا يستحق الأجر، ولا جهالة، ولذا لم يوافقه الصاحبان.


(١) بدائع الصنائع، ص٢٥٧٩
(٢) بدائع الصنائع: ٥/٢٥٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>