للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يزيد الموضوع أكثر موضوعية هو ما كتبه العلماء في إفراد كتب الفتاوى عن الفقه أو النوازل، وهذا أكثره في الأندلس، إذ كتبت العشرات من الكتب في فقه النوازل، هذا في الزمن الماضي؛ وأما اليوم فالواقع ملئ بالنوازل والأحداث الوقائع والأفعال الطارئة التي لم تحطها النصوص ولا الاجتهادات السابقة، وخاصة أن الأمة تعيش مفاصل هامة، وهي بأمس الحاجة إلى فقه التطبيق لتنزيل المستجدات منازلها من الشرع، وتكفل لها الحياة نحو الأمل المنشود، وهذا كله يستلزم جهداً وحركة علمية عميقة كي يعطي حكماً منهجيًّا موافقاً للواقع، كي لا نجد هناك مردوداً سلبيًّا لا يحقق مصلحة أو يدرأ مفسدة.

وأهمها على سبيل المثال لا الحصر: نازلة الاستنساخ؛ فالعلماء والفقهاء قالوا: استنساخ البشر مرفوض شرعاً وعقلاً وغير أخلاقي لا مبرر له (١) ، يبقى موضع استخدام هذا العلم في مجال الحيوان؛ يقول الدكتور عجيل النشمي (٢) : لا بأس به فإن الله قد سخر لنا الحيوان ننتفع به في كل ما هو نافع؛ مثل: تحسين النوع وإكثار النسل وتطيب اللحوم ونحو ذلك، على أن لا تؤدي هذه التجارب إلى تشويه الحيوان أو تعذيبه ... ويختم كلامه: إنه من السابق لأوانه الحكم القاطع في هذا الموضوع لقصور في المعلومات وتوثيقها، وهو من القضايا التي تحتاج إلى رأي مشترك يصدر من أطباء مختصين وفقهاء، وما ذكرنا محض رأي على ما ورد من معلومات في هذا الموضوع (٣)

وبقي أن نؤكد فيه من القواعد والمرونة ما يمكن من استيعاب كل المستجدات، ولكن ليس معنى ذلك أن ننحني أمام بعض القضايا، فعالمية الإسلام بأحكامه وطروحاته هي المرجع والمآل.

معرفة الناس أصل في الإفتاء والتخريج:

إن معرفة الناس أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيهاً في الأمر والنهي لم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيهاً في الأمر له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وهو بجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا، بل ينبغي أن يكون فقيهاً في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم، إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله (٤) .


(١) مجلة المجتمع، الثلاثاء، العدد (١٢٤٤) ، ٢٣ – ٢٩ ذو القعدة ١٤١٧ هـ، ص ٢٢ – ٣١.
(٢) عميد سابق في كلية الشريعة بالكويت.
(٣) مجلة المجتمع، الثلاثاء، العدد (١٢٤٤) ، ٢٣ – ٢٩ ذو القعدة ١٤١٧ هـ، ص ٢٧.
(٤) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٤ / ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>