للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا ينبغي أن يهمل أمر واحد منهما بالمرة، وإنما بالحق البحت أن يطابق أحدهما بالآخر، وأن يجبر خلل كل بالآخر، وذلك قول الحسن البصري: سنتكم – والله الذي لا إله إلا هو - بينهما، بين الغالي والجافي.

فمن كان من أهل الحديث ينبغي أن يعرض ما اختاره وذهب إليه على رأي المجتهدين من التابعين، ومن كان من أهل التخريج ينبغي له أن يجعل من السنن ما يحترز به من مخالفة الصريح الصحيح، ومن القول برأيه فيما فيه حديث أو أثر بقدر الطاقة.

وكما ينبغي على المحدث أن لا يتعمق بالقواعد التي أحكمها أصحابه – وليست مما نص عليه الشارع – فيرد به حديثاً أو قياساً صحيحاً لأدنى شبهة، كما فعل ابن حزم: رد حديث تحريم المعازف الشائبة الانقطاع في رواية البخاري، على أنه في نفسه متصل صحيح.

ولا ينبغي لمخرج أن يخرج قولاً لا يفيده نفس كلام أصحابه، ولا يفهمه منه أهل العرف والعلماء باللغة، وإنما جاز التخريج لأنه في الحقيقة تقليد المجتهد، ولا يتم إلا فيما يفهم من كلامه.

أبو حنيفة وفقه التخريج:

بمناسبة الكلام عن فقه التخريج سرعان ما يتبادر إلى الذهن تقدم مذهب الحنفية في هذا الميدان، حيث كان أبو حنيفة رضي الله عنه كثير الالتزام، وعظيم الشأن في التخريج على مذهب إبراهيم النخعي، دقيق النظر في وجوه التخريجات، مقبلاً على الفروع أتمَّ إقبال، وإن منهجية فقه الرأي أسهمت في إثراء هذا التراث الفقهي الوافر.

تلاميذ الإمام أبي حنيفة وفقه التخريج:

تابع تلاميذ أبي حنيفة مسيرة إمامهم في التخريج، وخاصة محمد بن الحسن، حيث تفقه على أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم خرج إلى المدينة فقرأ الموطأ على مالك، ثم رجع إلى نفسه فطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة في كتابه (الحجة على أهل المدينة) وهو مطبوع متداول، فإن وافق فيها، وإلا فإن رأى طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه فكذلك، وإن وجد قياسًا ضعيفاً، أو تخريجاً لينا، يخالفه حديث صحيح فيما عمل به الفقهاء، أو يخالفه عمل أكثر العلماء تركه إلى مذهب من مذاهب السلف، مما يراه أجرح ما هناك (١) .


(١) الدهلوي، حجة الله البالغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>