للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور محمد علي القري بن عيد:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نحمده ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.

لعلي أبدأ أولا بتقديم الشكر للباحثين الأفاضل على هذه البحوث المتميزة، والثناء على عرض فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي الذي جاء جامعاً لآراء الباحثين ومقترحاتهم وأفكارهم. ثم أقول: إن العقد المسمى (الإيجار المنتهي بالتمليك) هو اجتماع البيع والإجارة لاشك في ذلك، ولا طائل من وراء السعي لإثبات أنه إجارة فحسب تضمنت وعداً بالبيع أو خياراً بالشراء أو ما إلى ذلك، إذ لا يمكن أن نفسر حقيقة أن هذا المستأجر –في العقد- يدفع مبلغ أجرة يعلم تمام العلم أنها تزيد كثيراً على أجرة المثل وأجرة السوق، إنما يفعل ذلك لعلمه أن الزيادة فيها هي دفعات مقدمة من الثمن، ولا يمكن أن نفسر حقيقة أن أصلين متماثلين يؤجران بأجرة شهرية مختلفة إلا إذا عرفنا أن مدة الإجارة بينهما مختلفة فنعلم أن تلك المدة هي أجل دفع الثمن، فاختلفت الأجرة الشهرية بناء على ذلك لأنها تتضمن قسطاً من الثمن. كل ذلك يدل على انعقاد البيع والإجارة في اتفاقية واحدة. هذه هي مشكلة هذا العقد، وما خلا ذلك من تفاصيل يمكن أن يقوم العقد بدونها ويبقى إجارة منتهية بالتمليك.

والجمع بين البيع والإجارة يختلف عما نهي عنه من بيع وسلف، لأن البيع متضاد متناقض مع السلف، أحدهما يجوز فيه الربح والآخر لا يجوز، فإذا اجتمعا أفضى اجتماعهما إلى الربا حيث تكون الزيادة في القرض جزءاً من ربح البيع. أما ما نحن بصدده فليس بين هذين العقدين –أي البيع والإجارة- تناف أو تضاد، والاسترباح في كليهما جائز، فإذا وقع على محلين مختلفين لم يعد للقول بالمنع وجه. ومعلوم أن البيع واقع على الرقبة. وأن الإجارة واقعة على المنافع، فإن قيل: إذا كان بيعاً حقيقياً لم يستحق المؤجر الأجرة بل هي للمشتري الذي انتقل إليه الملك بالبيع وهو المستأجر في هذا العقد. فلماذا يستمر المؤجر في قبض الأجرة؟ فالجواب عن ذلك أنه بيع مضاف إلى المستقبل، وقد أجاز بعض الفقهاء كابن تيمية –رحمه الله- هذا البيع. ونحن نعلم أنه يجوز لمؤجر عين أن يبيعها إلى طرف ثالث لأن محل عقد الإجارة هو المنافع التي وقع بيعها للمستأجر، ومحل عقد البيع هو الرقبة التي لم تزل ملكاً له. عندئذ يستحق المالك الجديد الأجرة إذا كان عقد بيع ناجز وليس في ذلك تناف أو تضاد بين العقدين. فإذا باع الرجل منافع الأصل لآخر في عقد إجارة ثم باع الرقبة إليه في عقد بيع مضاف لزم أن يكون ذلك جائزاً لعدم التضاد، واستحق المؤجر الأجرة في المدة.

والعقود التي يتعامل بها الناس اليوم لا تكاد تخلو من التركيب واجتماع العقود، وأكثر ما يجتمع في معاملات الناس البيع والإجارة، إذ قليلاً ما يكون العقد بيع محض أو إجارة محضة. يأتي الرجل ليسكن في فندق كهذا الذي نحن فيه فتراه يوقع على عقد جامع لإجارة الغرفة ولبيع الطعام وما إلى ذلك. ويشتري الواحد منا جهاز الكمبيوتر فيدفع مبلغاً من المال جزء منه ثمن الجهاز وجزء منه أجرة لدورة تدريبية عليه، ويدخل الفرد المستشفى فإذا هو يدفع أجرة الطبيب وثمن الأدوية على عقد بيع، وهذا هو أمر اشتراك الناس في الكهرباء والهاتف وعقود الصيانة وما إلى ذلك. وفي كل الأحوال فإن مقدار الأجرة معروف ومستقل عن أثمان الأشياء وإن اجتمع العقدان في اتفاقية واحدة، وهذا ما يجب أن يكون عليه عقد الإيجار المنتهي بالتمليك لأن قواعد العدل تقتضي أن تترتب للمستأجر حقوق خاصة بالمنافع بناء على عقد الإجارة وحقوق خاصة بملكية الأصل مستمدة من عقد البيع المضاف مادام أن يدفعه شهرياً يتضمن أجرة ويتضمن قسطاً من الثمن لأن الملك لم يتحقق. وليس مقبولاً أن يقال بأن تلك كانت أجرة تراضى عليها الطرفان مع العلم باختلافها عن أجرة المثل.

والله أعلم، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>