للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تحقق الضبط لصفات المبيع الغائب بما تقدم انتفى عنه الغرر، يقول أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد رحمه الله: " وبيع السلعة الغائبة على الصفة خارج مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع الغرر في مذهب مالك وجميع أصحابه " (١) .

ويصح في المرجوح من مذهب المالكية العقد على المبيع الغائب بلا وصف إذا اشترط المشتري الخيار.

الاستدلال:

استدل المالكية على صحة العقد على المبيع الغائب على الصفة بدليلين عام وخاص:

الأول – الدليل العام:

إن الشريعة الإسلامية المطهرة أثبتت أحكامًا كثيرة في عقود عديدة مختلفة اعتمدت فيها الوصف للغائب، ونزلته منزلة المحسوس، وأثبتت له أحكامه ليس في البيع فقط بل فيما هو أهم منه، ذلك لأن الأوصاف الدقيقة المميزة للشيء عن غيره تقوم مقام رؤية الموصوف، من هذه الأدلة: (الحديث الذي رواه الإمام البخاري، وأبو داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنعت المرأة للزوج حتى كأنه ينظر إليها)) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم فشبه صلى الله عليه وسلم المبالغة في الصفة بالنظر.

وقال الله تبارك وتعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩] .

وجه الدليل من هذه الآية أن اليهود كانوا يجدون في التوراة نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، فكانوا يحدثون بذلك، ويستفتحون به على الذين كفروا. . . {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} وهم لم يعرفون إلا بصفته التي وجدوها في التوراة، دل ذلك على أن المعرفة بالصفة معرفة يعين الشيء الموصوف.

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الواقع في الكتاب: ((لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها)) دليل بين على أن الخبر عنها بمنزلة النظر إليها " (٢) .


(١) المقدمات الممهدات، الطبعة الأولى، تحقيق سعيد أحمد أعراب، وعبد الله الأنصاري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، عام ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م: ٢ / ٧٦.
(٢) ابن رشد، المقدمات الممهدات: ٢ / ٧٧- ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>