للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا كان التعارف في الإسلام غاية مقدسة في ذاته لتحقيق الحكمة الآلهية في اختلاف الأمم والشعوب في الألوان والألسن وتوزيعهم في الأرض. وكان هذا التعارف كافيًا لحل كل نزاع، أو محو كل أثرة من استغلال أو ظلم في جماعاتهم وأفرادهم في ظل هداية الإسلام وتشريعه العادل وتنظيمه الشامل للعلاقات الفردية والاجتماعية والدولة؛ ذلك أن مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية تنطبق على الدول والشعوب، كما تنطبق على الأفراد والجماعات سواء بسواء، فلا فرق ولا استثناء ولا تمايز في قانون العدل والميزان الإلهي، فما يطالب به الفرد يطالب به المجتمع، وإن اختلفت وسائل تحقيق المطلوب فالغاية واحدة، وهي جعل الإنسانية أمة واحدة متساوية في الحقوق والواجبات، لا فضل لفرد على آخر إلا بالتقوى، والتي لا تتحقق إلا بتقوى الله في حقوق النفس الواحدة، والتي لا ينالها أي فرد إلا بالقدر الذي يضحي فيه في سبيل إسعاد الآخرين.

ويترجم مضامين الإسلام في سبيل إسعاد أمته ومجتمعه. فميزان التفاضل في الإسلام لا يقبل في كفته العادلة لونًا ولا جنسًا، ولا لغة ولا سلطانًا، ولا ثروة مالية، ولا سلالة حسبية أو نسبية، ولا جبروت قوة عاتية، وإنما يقبل في ميزانية كرامة التقوى المكتسبة من صلاح العمل وزكي النفس وصفاء لفائف إشراق حناياها الذي يفيض بكل الخير على كل موجود في عالم الوجود، كرامة التقوى المكتسبة من إيثار النفس غيرها عليها من الأفراد والجماعات وحبها الخير والهداية إليه لكل نفس خلقت أو تخلق من أفراد النفس الواحدة التي هي في حقيقتها الذاتية جزء من فصيلتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>