للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكييف القانوني لحقوق الملكية الصناعية:

جرى الفقه القانوني على تقسيم الحقوق المالية – كما سبقت الإشارة – إلى حقوق عينية وحقوق شخصية، والحق العيني أرادوا منه: سلطة مباشرة لشخص معين , والحق الشخصي: هو رابطة قانونية بين شخصين. أحدهما دائن والآخر مدين، ولقد اتجه الفقه بادئ الأمر إلى إدخال هذه الحقوق في دائرة الحقوق العينية، لما لمسوه من تشابه بين حق الملكية وحق الملكية الصناعية من حيث إن كلًّا منهما يعطي صاحبه سلطة احتكار واستغلال الشيء موضوع الحق (١) .

لكنهم رأوا فيما بعد ذلك أن هذا التشابه لا يكفي في إلحاق الحقوق الصناعية بالحق العيني، ذلك أن الحق العيني سلطة لصاحب الحق على شيء معين بذاته، أما حقوق الملكية الصناعية كبراءة الاختراع فيرد على شيء غير مادي له قيمة اقتصادية، أما ملكيته للآلة فهي حق ملكية على شيء مادي.

وهذا فارق جوهري بين طبيعة كل من الحقين، ومتى اختلف الموضوع بين أمرين لم يعد من اللائق الجمع بينهما في طبيعة واحدة. ومن جانب آخر ذهب فقهاء القانون إلى أن حقوق الملكية الصناعية تختلف عن الحقوق الشخصية: باعتبارها تمثل علاقة أو رابطة قانونية بين دائن ومدين بينما حقوق الملكية الصناعية تمثل سلطة استئثار باستغلال ابتكار جديد أو علامة مميزة.

ونظرًا لهذا الاختلاف بين حق الملكية الصناعية من حيث طبيعتها وبين الحقوق العينية والحقوق الشخصية ناسب إضافة قسم ثالث يمكن أن يندرج تحته حق الملكية الصناعية وحق الملكية الأدبية والفنية واصطلح على تسميته "حقوق الملكية المعنوية" – كما سبقت الإشارة-.

ولكن وجد أنه حتى هذه التسمية فيها قصور عن التعبير عن طبيعة هذه الحقوق من حيث إن حق الملكية يتضمن عناصر ثلاثة: هي الاستعمال والاستغلال والتصرف. وهذه لا تتوافر جميعها في حقوق الملكية الصناعية، فالحق في براءة الاختراع لا يتضمن عنصر الاستعمال لأنه غير مادي حتى يمكن استعماله لخاصة نفسه.

ومن ناحية ثانية وجد أن الحق في براءة الاختراع، والحق في الرسوم والنماذج الصناعية وحقوق الملكية الأدبية والفنية كلها حقوق مؤقتة.

ولذا رأى بعض القانونيين وضع اصطلاح آخر لهذ الحقوق سمي "الحقوق الخاصة بالإنتاج الذهني" باعتبار أن جوهر وموضوع هذه الحقوق هو الابتكار الذهني.

وقد رد هذا الرأي أيضًا لأنه لا يطابق الواقع في كل الحالات، فإن الابتكار ليس هو العنصر الجوهري في العلامات المميزة التي تكون محلًا للحق في العلامة التجارية أو الصناعية أو الاسم التجاري، بل إن جوهر الحق هنا إنما يدور حول مجرد "العلامة المميزة" للمتجر أو المنتجات.

ورأى آخرون أن حقوق الملكية الصناعية ما دامت استئثار صاحب الحق باستغلال حقه قبل العملاء والاتصال بهم، فهذا موضوع هذه الحقوق، ولذا أطلقوا على هذه الحقوق "حقوق الاتصال بالعملاء".

وقد رد هذا الرأي أيضًا في تكييف هذه الحقوق بأن "حقوق الاتصال بالعملاء" هو عنصر من عناصر المتجر، وأن هذا الاصطلاح يقتصر على حقوق الملكية الصناعية دون حقوق الملكية الأدبية والفنية فهو اصطلاح قاصر (٢) .

ويرى البعض أن التكييف القانوني الصحيح لهذه الحقوق هي: " أنها من قبيل: الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية " (٣) . وقد أخذ على هذا الاتجاه أنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية.

وعلى هذا فالحقوق المعنوية مهما اختلف في طبيعتها إلا أن عناصرها التي لا خلاف في وجودها في هذه الحقوق ثلاثة يشير مجموعها إلى أن هذه الحقوق هي حقوق ملكية خاصة لأنها ترد على شيء غير مادي.

وهذه العناصر الثلاثة هي:

الأول: أنها ترد على شيء معنوي أو غير مادي.

والثاني: أن هذا الشيء يكون ثمرة لعمل صاحب الحق الذهني أو لنشاطه، فهو إما أن يكون نتاجًا ذهنيًا أو قيمة من القيم التجارية، والثالث: أنها تخول صاحبها احتكار واستغلال ذلك النتاج أو هذه القيمة سواء بالانتفاع أو بالتصرف (٤) .


(١) التشريع الصناعي، للدكتور محمد حسني عباس: ص ١٣ وما بعدها؛ وحق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٤؛ والوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، للدكتور صلاح الدين الناهي: ص ١٧.
(٢) التشريع الصناعي: ص ١٧ وما بعدها؛ والملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٥. بتصرف.
(٣) الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٦؛ والتشريع الصناعي: ص ٢٢.
(٤) الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>