للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١- إن جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يرون عدم جواز تعجيل الدين المؤجل مقابل التنازل عن بعضه (١) وذلك كأن يكون لرجل على غيره دين فيقول المدين له ضع عني بعضه حتى أعجل لك بقيته، وهو ما يعبر عنه بقاعدة (ضع وتعجل) (٢) .

وقد روي أن رجلًا سأل ابن عمر فنهاه عنه، ولما سأله ثانية قال: إن هذا يريد أن أطعمه الربا (٣) ، وروي عن زيد بن ثابت النهي عنه، قال الجصاص وهو قول عامة الفقهاء (٤) .

والجمهور استدلوا على عدم الجواز بشيئين، أولهما أن ابن عمر سماه ربا، ومثل هذا لا يقال بالرأي، إذ لا أنه كان لديه دليل من الشرع على عدم الجواز، وثانيهما أن الزيادة المشروطة في قرض الجاهلية المحرمة كانت بدل الأجل، فأبطله الله تعالى وحرمه (٥) أي يمتنع عن الأجل عوض وهنا عندما يتم الحط عن قسم من الدين مقابل الأجل الذي يتم تعجيله يتحقق معنى الربا المنصوص على تحريمه.

يقول المرغيناني وابن الهمام، التعجيل في مقابلة ما يتم حطه اعتياض عن الأجل وهو حرام (٦) .

هذا ولا خلاف بين الفقهاء في عكس هذه الصورة، وهو عدم جواز الزيادة على الدين الحالّ مقابل تأجيله، وذلك كأن يحل موعد تسديد دين لشخص على آخر فيقول المدين أجلني مدة أربعة أشهر – مثلًا – أزيدك عشرة دنانير على المائة – قاعدة زد وتأجل – لأن العشرة هنا مقابل الأجل.

فإذا كان للأجل هذا الاعتبار، للتحريم فيما عرضناه من الصورتين فلم لا يكون له الاعتبار في المنع عند بيع شخص سلعة قيمتها ثمانون دينارًا نقدًا بثمن مقداره مائة دينار نسيئة لمدة خمسة أشهر – مثلًا – أليس الأجل هو السبب في هذه الزيادة؟ لا شك أن الجواب يكون بالإيجاب بدليل أن البائع يبيع السلعة نفسها إلى من يشتريها منه نقدًا بثمانين دينارًا لخلو بيعه من هذا الأجل.


(١) شرح فتح ٧/٤٣، قوانين الأحكام الشرعية: ٢٧٨، المغني: ٤/٣٩، الغاية القصوى في دراية الفتوى: ١/٥٢٠، تحفة المحتاج مع حاشية الشراوني وابن القاسم: ٥/١٩٢.
(٢) قوانين الأحكام الشرعية: ٢٧٨.
(٣) شرح فتح القدير: ٧/٤٢.
(٤) أحكام القرآن للجصاص: ١/٤٦٧.
(٥) المصدر السابق.
(٦) الهداية مع شرح فتح القدير وشرح العناية: ٧/٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>