للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا – الهبة (وسائر التبرعات) :

وقد ثار الخلاف في أثر القبض في الهبة، ونحوها على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: هو أن القبض شرط للزوم الهبة، فلا تلزم إلا بالقبض، فعلى هذا يكون الموهوب قبل القبض على ملك الواهب، يتصرف فيه كيفما شاء وهذا رأي جمهور الفقهاء منهم الحنفية (١) ، والشافعية (٢) ، وهذا قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن، وهو مروي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعليه إحدى الروايتين عن أحمد (٣) ، فعلى ضوء ذلك فالواهب بالخيار قبل القبض، بل لا يصح قبضها إلا بإذنه، حتى لو قبضها بدون الإِذن لم يصح القبض.

الرأي الثاني: أن القبض يتم ويلزم بالإِيجاب والقبول، وإذا امتنع الواهب بعد ذلك فيجبر عليه، وهذا هو رأي مالك (٤) ، والشافعي في القديم، وأبي ثور، والحسن البصري، وكذلك قال حماد بن أبي سليمان في هبة الرجل لزوجته: إذا علمت (٥) غير أن الإِمام مالكًا قال: "فإن تأني الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة ...". قال ابن رشد: وله – أي لمالك – إذا باع تفصيلٌ: إن علم فتوانى لم يكن له إلا الثمن، وإن قام في الفور كان له الموهوب" (٦) وفي الموطأ تفصيلٌ: حيث إذا أعطى أحدًا عطية لا يريد ثوابها فأشهد عليها فإنها ثابتة للذي أعطيها إلا أن يموت المعطي قبل قبضها ...، وإن لم يرد ثوابها ثم مات المعطى فورثته بمنزلته، وإن مات المعطي قبل القبض فلا شيء له (٧) .

الرأي الثالث: التفرقة بين ما يكال ويوزن حيث لا تلزم الهبة فيه إلا بالقبض، وبين غيره حيث تلزم بمجرد العقد، وهذا ما عليه أحمد في الرواية المشهورة عنه (٨) ، ومن الجدير بالتنبيه عليه أن هذا الخلاف نفسه وارد في صدقة التطوع لكن ابن أبي ليلى فرق بينها وبين الهبة فقال: "تجوز الصدقة إذا أعلمت وإن لم تقبض، ولا تجوز الهبة ولا التخلي إلا مقبوضة" (٩) .


(١) بدائع الصنائع: ٨/٣٦٨٨.
(٢) روضة الطالبين، والغاية القصوى.
(٣) الإِشراف لابن المنذر، تحقيق محمد نجيب سراج الدين، ط. إدارة إحياء التراث بقطر: ١/٣٨٩ – ٣٩٠، والمغني: ٥/٦٤٩ - ٦٥٣.
(٤) الموطأ مع شرحه المنتقى: ٦/٩٤، وبداية المجتهد: ٢/٣٢٩، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٤/١٠٣ وذكر له تفصيلًا فليراجع.
(٥) الإِشراف ١/٣٨٩ – ٣٩٠، وفتح الباري، ط. السلفية: ٥/٢٣٣.
(٦) بداية المجتهد: ٢/٣٢٩.
(٧) الموطأ، كتاب الأقضية: ص ٤٦٩.
(٨) المغني لابن قدامة: ٥/٦٤٩.
(٩) بدائع الصنائع: ٨/٣٦٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>