للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال التهانوي:

وبهذا تبين فساد ما قال العيني من أنه أراد بهما البائع والمشتري، وإطلاقه على المشتري بطريق التغليب أو هو من باب إطلاق المشترك وإرادة معنييه معًا إذا البيع جاء لمعنيين فيه خلاف، لأنه ليس في هذا الإطلاق تغليب ولا استعمال مشترك بين المعنيين، بل هو استعمال للبيع في العقد. وظاهر أن العقد قائم بالمتعاقدين فيكونان كلاهما بيعين حقيقة، وإذا كان البيع صفة مشبهة من البيع بمعنى العقد المعروف فيكون هو حقيقة في العاقد حين العقد لا بعد العقد ولا قبله، بل هو مجاز فيهما كالأحمر فإنه حقيقة فيما قام به الحمرة لا ما كان أحمر أو ما يكون كذلك وهو ظاهر جدًّا، وقال به الشافعية، والجواب عنه بأن المتبايعين لا يكونان متبايعين حقيقةً إلا في حين تعاقدهما، لكن عقدهما لا يتم إلا بأحد أمرين، إما إبرام العقد أو بالتفرق على ظاهر الخبر، فصح أنهما متعاقدان ما داما في مجلس العقد، فعلى هذا تسميتهما متبايعين حقيقة مصادرة على المطلوب لأن هذا الجواب مبني على ثبوت خيار المجلس وهو أول النزاع، ومع قطع النظر عن المصادرة هو فاسد أيضًا لأن العقد هو الإيجاب والقبول، فلما انقضيا انقضى العقد، وبقاء حق الفسخ لا يقتضي وجوده إلى ذلك الوقت كما في خيار العيب وخيار الشرط.

قلت: ومن عجب أن المختلفين المتشاكسين في هذا الذي اعتبروه قضية من (خيار المجلس) لم يلتفتوا إلى حقيقة ذات بال، وما كان ينبغي إغفالها وهي هذا الاختلاف بين الرواة في الألفاظ التي رووا بها الحديث سواء في صفة من جاء الحديث الشريف بجعلهما في الخيار أو في صفة تعيين الحال التي ينتهي خيارهما بوقوعها.

ففي (الصيغة) وردت كلمة (البيعان) و (البيعين) – وهي صيغة واحدة اختلف وضعها باختلاف عامل الإعراب – في مجموع الروايات التي سقناها آنفًا ستين مرة.

منها عن ابن عمر: سبع وعشرون مرة. وعن أبي هريرة مرتان، وعن حكيم بن حزام ست عشرة مرة، وعن سمرة بن جندب أربع مرات، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرة واحدة، وورد من مراسيل ابن أبي مليكه ثلاث مرات.

أما كلمة (المتبايعان) أو (المتبايعين) فوردت عن ابن عمر أربع عشرة مرة، وعن أبي هريرة مرة واحدة، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرتين فيكون المجموع سبع عشرة مرة.

ثم ورد عن ابن عمر ثلاث مرات بصيغة (إذا تبايع) وفي إحداهن (المتبايعان) وفي الأخرين (الرجلان) كما وردت صيغة (تبايعا) عن مالك بلاغًا والضمير يعود إلى (أيما بيعين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>