للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمقتضى هذه الدلالة أن لا يوجد شيء من المندوبات البتة ترك العمل به في حق البعض تخفيفًا من الله تعالى على العباد فوجب أن يبقى الباقي على حكم الأصل.

فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بوجه آخر وهو أنه كما في الإذن في تفويت المصلحة الخالصة قبيح عرفًا، فكذا إلزام المكلف استيفاء المصلحة بحيث لو لم يستوفها لاستحق العقاب، قبيح أيضًا لأنه يصير حاصل الأمر أن يقول الشرع: استوف هذه المنافع لنفسك وإلا عاقبتك وهذا قبيح.

والجواب: ما ذكرتموه قائم في كل التكاليف، فلو كان ذلك معتبرًا لما ثبت شيء من التكاليف.

وقال محقق (المحصول) طه فياض:

وهو بعض الحديث المشهور اختلف في رفعه أو وقفه، عن ابن مسعود وهو ما رواه أحمد في كتاب السنة من حديث أبي وائل، عن ابن مسعود بلفظ. (وساق الحديث) .

ثم عاد الرازي في [المحصول: ج١ القسم ٣ ص٣٠، ٣١] ، فاستشهد بهذا الحديث في معرض بيانه لاختلافهم في: هل يجوز أو لا يجوز التمسك بالعام ما لم يستقص في طلب المخصص؟ فقال:

وقال الصيرفي: يجوز التمسك به – أي بالعامّ – ابتداء ما لم تظهر دلالة مخصصة.

واحتج الصَّيرفي بأمرين:

أحدهما: لو لم يجز التمسك بالعام إلا بعد طلب أنه هل وجد مخصّص أم لا؟ لما جاز التمسك بالحقيقة إلا بعد طلب أنه هل وجد ما يقتضي صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز؟ وهذا باطل فذاك مثله.

بيان الملازمة: أنه لو لم يجز التمسك بالعام إلا بعد طلب المخصص لكان ذلك لأجل الاحتراز عن الخطأ المحتمل وهذا المعنى قائم في التمسك بحقيقة اللفظ، فيجب اشتراكهما في الحكم.

بيان أنَّ التمسك بالحقيقة لا يتوقف على طلب ما يوجب العدول إلى المجاز هو أن ذلك غير واجب في العرف بدليل أنهم يحملون الألفاظ على ظواهرها من غير بحث عن أنه هل وجد ما يوجب العدول أم لا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>