للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- ويتضح من هذا أن العرف هو الفيصل في تعيين صيغ وأساليب التعاقد ووسائله بين الناس وليس له من ضابط غير تحقيق المناط الشرعي لنصوص الكتاب والسنة القاضي بكفالة العدالة بين طرفي أو أطراف التعاقد وعدم الإجحاف بحقوق أي طرف أو إيثار طرف على آخر وإن بمجرد التيسير ماديًّا أو زمنيًّا أو بيئويًّا.

٦- وعلى هذه القاعدة يمكن القول بأن مبدأ التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة لا سبيل إلى الاختلاف في أنه مباح شرعًا إذا التزم بما سبق أن بيناه من ضوابط تحقيق العدالة ومنع الإجحاف.

٧- لكن هذه الوسائل تتمايز ضوابطها تبعًا لتمايز طبيعتها وأساليب التعامل بها وبيان ذلك:

(أ) أن البرق أو الوسائل البرقية يجري التعامل فيها بتحويل الكلمات إلى إشارات من الطرف المرسل إليه وهذا العمل يقوم به طرف ثالث ويحتمل أن يحدث خطأ في التحويل الأول أو في التحويل الثاني من شأنه أن يجحف بحقوق أحد الطرفين إجحافًا قد يترتب عنه تغيير جوهري أو ذو أثر بليغ في طبيعة العقد أو في الهدف المبتغى منه وفي هذه الحال لا يمكن القول ببطلان العقد وإنما الذي يجب القول به هو تضمين الطرف الثالث الذي قام بالتحويل وكان منه الخطأ بحيث يتحمل جميع المسئوليات المادية الناتجة عن خطئه.

(ب) إن الاتصال الهاتفي لا يمكن لأي طرف من طرفي العقد أو أطرافه أن يزعم حدوث خطأ فيه لأن المتعاقدَيْن أو المتعاقدِين يسمع بعضهم بعضًا سواء كان الهاتف ثنائيًّا كما هو الشأن في الهاتف التقليدي أو مشتركًا لأكثر من اثنين كما أصبح عليه الطوار الجديد للهاتف، وإذن فهو وسيلة مضمونة لسلامة التعاقد بين طرفين أو أكثر وفيها ينعدم تمامًا كل التباس بما سمي قديمًا (خيار المجلس) لأن المكان في ذاته ليس مقصودًا وإنما المقصود انعدام فاصل زمني بين المتعاملين قد يحدث أثناءه تغير في السوق مثلًا أو في ظروف أحد المتعاملين يغير من طبيعة الدافع إلى التعاقد لأحد الطرفين أو الأطراف.

(ج) إن الجهاز الناقل كتابة (تلكس) لرسائل طرفي التعاقد أو أطرافه لا سبيل إلى الغمز فيما ينقل إذ إنه في حال الاشتباه في صحة رسالة من طرف إلى آخر يمكن للطرف المشتبه في صحتها أن يراجع الطرف المرسل للتأكد من جلية ما اشتبه فيه، ومجموع ما يتم تبادله بين طرفي التعاقد أو أطرافه من الرسائل يألف العقد وليس بعض منها دون بعض، وقد يقال في هذا المجال أن تبادل الرسائل يقتضي فاصلا زمنيًّا قد يحدث أثناءه ما يجعل أحد الطرفين أو الأطراف راغبًا في تعديل إيجابه أو قبوله أو شرط من شروط الإيجاب أو القبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>