للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القول بأن المعاملة المذكورة (أي اقتراض الحكومة عن طريق إصدار السندات) شبيهة بالعلاقة بين الأب وأبنائه، فهو قياس مع الفارق. فإن كان للأبناء ذمة مالية مستقلة عن الأب، فلا ريب في وقوع الربا بينها وهذا أمر واضح. فإن قلنا (جدلا) إن الذمة المالية للأب تحتوي الابناء (ولا أظن أحدا يقول بذلك) ، لم يعد للقرض معنى ابتداء، إذ كيف يقترض الرجل من نفسه ثم يزيد عند السداد. ولا وجه للمقارنة بين العلاقتين المذكورتين (الدولة ورعاياها والأب وأبنائه) ، فإن الفرق بينهما أبين من أن نزيد في توضيحه. فإن قيل إن السند قرض حسن غرضه إرفاق المسلمين بحكومتهم وإن الزيادة فيه من قبيل الهبة والتبرع أو منحة تقدمها الحكومة لأبنائها لأن القرض جائز والتبرع جائز. رد على ذلك بالقول أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. فإن تبرع الحكومة المذكور ليس عاما لكل أبنائها، وليس خاصا للفقراء والمحتاجين وذوي العوز والحاجة منهم بل هو أمر ترتب على فعل محدد هو القرض المتمثل بشراء السند المضمون، فدل على أن هذه زيادة ربوية. فإن قيل إن الحكومة تعطي هذه الزيادة تشجيعا للادخار كالأب يشجع أبناءه على الادخار بأن يعطيهم مكافأة على سبيل الهبة رد على ذلك أولا أن التشجيع لم يقع على الادخار فإن للادخار أوجها كثيرة لا تعطي الحكومة عليها مكافآت فدل على أن غرضها ليس تشجيع الادخار، ثم إن هذه هبة مشروطة بالعوض، والهبة المشروطة بعوض هي عقد معاوضة والمعاوضة في القرض ربا. وحقيقة المعاملة أنها قرض فالزيادة فيه لا تجوز. أما القول بأن ما يدفع على السند هو ربح ناتج من مشروعات الحكومة فدون قبوله خرط القتاد. فمن وجه كيف تحقق الحكومة الربح وأكثر قرضها للنفقات الجارية؟ فحصيلة هذه السندات إنما تصب في ميزانية الحكومة ولا تخصص لمشروع بعينه بمحاسبات مستقلة تكون مصدرا لما يدفع كعائد على تلك السندات. ثم لو كان ربحا ترتب على نشاط تجاري أو صناعي فكيف تضمن الحكومة في أول العقد أمرا لم يتحقق بعد، وتحدد نسبته وهو لم يقع؟ والسند مضمون القيمة الاسمية لحامله، فيكف يستحق مالكه ربحا (إذا جاز تسميته الزيادة فيه ربحا) وهو لا يضمن المال إذا هلك؟ وتحريم ربح ما لا يضمن معروف. ثم إن الحكومة ضامنة لرأس المال والزيادة عليه فلذلك قرض ربوي (وإن سمي بغير ذلك) حتى لو استخدم في مشاريع تدر الربح ودفع العائد من الربح المتحقق فإن الضمان المذكور يخرجه من صفة الشركة إلى الدين. والله أعلم. .

<<  <  ج: ص:  >  >>