للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له]

ذكر أهل التاريخ: أن عدو الله أبا طاهر القرمطي وافى مكة في سابع ذي الحجة، وقيل: في ثامنه، سنة تسع عشر وثلاثمائة، وفعل فيها هو وأصحابه أمورا منكرة، منها: أن بعضهم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره، ثم قلعه، وقيل: قلعه جعفر بن فلاح البناء بأمر أبي طاهر يوم الاثنين بعد الصلاة لأربع عشر خلت من ذي الحجة، وذهب به معه إلى بلاده هجر١، وبقي موضعه من الكعبة المعظمة خاليا يضع الناس فيه أيديهم للتبرك إلى حين رد إلى موضعه من الكعبة المعظمة، وذلك في يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، على ما ذكره المسبحي، وذكر أن الذي وافى به مكة "سنبر بن الحسن القرمطي"، وأن "سنبرا" لما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر من سفط، وعليه ضباب فضة قد عملت من طوله وعرضه، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر معه جصًّا يشد به، فوضع "سنبر" الحجر بيده، وشده الصانع بالجص، وقال "سنبر" لما رده: أخذناه بقدرة الله تعالى ورددناه بمشيئته.

ونظر الناس إلى الحجر فتبينوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى٢.

وكان رد الحجر الأسود في موضعه قبل حضور الناس لزيارة الكعبة يوم النحر، وكان مدة كينونته عند القرمطي وأصحابه اثنين وعشرين سنة إلا أربعة أيام. هذا معنى كلام المسبحي.

وكان بجكم٣ التركي مدبر الخلافة ببغداد بذل للقرامطة على رد الحجر الأسود خمسين ألف دينار فأبوا، وقالوا: أخذناه بأمر، ولا نرده إلا بأمر.

وقيل: إن المطيع العباسي اشتراه بثلاثين ألف دينار من القرامطة.

وكلام القاضي عز الدين بن جماعة في "منسكه" صريح في أن المطيع العباسي اشتراه بهذا القدر من أبي طاهر القرمطي٤، وفيه نظر، لأن أبا طاهر مات قبل خلافة المطيع في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة على ما ذكره ابن الأثير وغيره٥، والله أعلم.


١ هي الأحساء حاليا.
٢ إتحاف الورى ٢/ ٣٩٤، ٣٩٥، والنجوم الزاهرة ٣/ ٣٠٢، ودرر الفرائد "ص: ٢٤٢، وتاريخ الخلفاء "ص: ٣٩٩".
٣ انظر ترجمته في: الوافي بالوفيات ١/ ٧٧، ٧٨.
٤ هداية السالك ٣/ ١٣٥٨.
٥ الكامل لابن الأثير ٨/ ١٤٧ وما بعدها، والبداية والنهاية ١١/ ٢٠٧، ودرر الفرائد "ص: ٢٤٢"، وإتحاف الورى ٢/ ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>