للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان؛ فقام عثمان بن طلحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن طلحة -رضي الله عنه- يوما وهو بمكة يدعوه إلى الإسلام، ومع عثمان -رضي الله عنه- المفتاح؛ فقال صلى الله عليه وسلم "لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت" فقال عثمان: لقد هلكت قريش إذا وذلت؛ فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل عمرت وعزت بومئذ يا عثمان" فقال عثمان -رضي الله عنه: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أخذه المفتاح، فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم، وما كان قال لي، فأقبلت، فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر١ ... انتهى باختصار. فبان منها سبب رد النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة وأخذه منه في يوم الفتح.

وذكر محمد بن سعيد -كاتب الواقدي- سبب أخذ المفتاح من عثمان -رضي الله عنه، وفيه ما يقتضي أن الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان من المقال كان عند إرادة النبي صلى الله عليه وسلم دخول البيت في الجاهلية، فيه فائدة أخرى ليست في الخبر الذي ذكره الواقدي، وهذا الخبر رويناه في "السيرة" للحافظ أبي الفتح ابن سيد الناس اليعمري، فيما أخبرني به غير واحد من أشياخي عنه، ولفظه في السيرة المذكورة: وروينا عن عثمان بن طلحة من طريق ابن سعد قال: كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس، فغلظت عليه، ونلت منه، وحلم عني، ثم قال: "يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت" فقلت: لقد هلكت قريش يومئذ وذلت؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل عمرت وعزت يومئذ"، ودخل الكعبة؛ فوقعت كلمته صلى الله عليه وسلم مني موقعا ظننت أن الأمر سيصير إلى ما قال، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال له يوم الفتح: "يا عثمان ائتني بالمفتاح"؛ فأتيته به، فأخذه مني، ثم دفعه إلي وقال: "خذوها تالدة خالدة ولا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إنا الله استأمنكم على بيته؛ فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف"، قال عثمان: فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألم يكن إلى ما قلته لك؟ " قال: فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت؛ فقلت: بلى أشهد أنك رسول الله٢.

ومنها: أن ابن هشام ذكر ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح، وفيه الصور؛ لأنه قال: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل إلى البيت يوم الفتح، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم٣، إلى آخر كلامه السابق، وروينا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ما يقتضي خلاف ذلك؛ لأن البخاري قال فيما رويناه عنه: حدثني إسحاق قال: حدثنا عبد الصمد قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أيوب عن عكرمة عن أبن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت


١ أخبار مكة للأزرقي ١/ ٢٦٧.
٢ عيون الأثر ٢/ ١٧٨، ١٧٩.
٣ السيرة لابن هشام ٤/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>