للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى إِذَا هُذِّبَ وَنُقِّيَ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّفُوسَ الشِّرِّيرَةَ الظَّالِمَةَ الْمُظْلِمَةَ الْأَثِيمَةَ لَا تَصْلُحُ لِتِلْكَ الدَّارِ الَّتِي هِيَ دَارُ الطَّيِّبِينَ، وَلَوْ رُدَّتْ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ الْعَذَابِ لَعَادَتْ لِمَا نُهِيَتْ عَنْهُ، فَلَا تَصْلُحُ لِدَارِ السَّلَامِ الَّتِي سَلِمَتْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَعْذِيبَ هَذِهِ النُّفُوسِ عَذَابًا يُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِّ وَالْخَبَثِ، وَيَكُونُ مَصْلَحَةً لَهُمْ، وَرَحْمَةً بِهِمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ، وَهَذَا مَعْقُولٌ فِي الْحِكْمَةِ، أَمَّا خَلْقُ النُّفُوسِ لِمُجَرَّدِ الْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ لَا لِحِكْمَةٍ وَلَا لِمَصْلَحَةٍ فَتَأْبَاهُ حِكْمَةُ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.

يُوَضِّحُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ دَارَ الْعَذَابِ وَوَقْتَهَا بِمَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ دَارَ النَّعِيمِ وَبِوَقْتِهَا، فَقَالَ تَعَالَى فِي دَارِ الْعَذَابِ: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: ٢٣] وَقَالَ: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٢٨] فَقَيَّدَهَا بِالْمَشِيئَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٦ - ١٠٧] وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِبَقَاءِ نَعِيمِهَا وَدَوَامِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَادَ لَهُ وَلَا انْقِطَاعَ، فَقَالَ: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: ٣٥] وَقَالَ {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: ٥٤] وَأَمَّا النَّارُ فَغَايَةُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا أَنَّ أَهْلَهَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَأَنَّهُمْ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامٍ آخَرَ أَنَّ النَّارَ أَبَدِيَّةٌ لَا تَفْنَى أَصْلًا، كَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ كَذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

قَالَ حَرْبٌ فِي مَسْأَلَةٍ: سَأَلْتُ إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧] قَالَ: أَتَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ وَعِيدٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَأْتِي عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] قَالَ الْمُعْتَمِرُ قَالَ

<<  <   >  >>