للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْحَرَكَةِ وَالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ.

وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ الْمَعْنَى الْإِفْرَادِيَّ تُقَيِّدُهُ الْحَقِيقَةُ بِمُجَرَّدِ لَفْظِهَا وَلَا يُقَيِّدُهُ الْمَجَازُ إِلَّا بِقَرِينَةٍ تَقْتَرِنُ بِلَفْظِهِ، قِيلَ لَكُمْ: الْمَعْنَى الْإِفْرَادِيُّ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَالْمُطْلَقُ يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ، وَالْمُقَيَّدُ يُفِيدُهُ اللَّفْظُ الْمُقَيَّدُ، وَكِلَاهُمَا حَقِيقَةٌ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ، فَمَعْنَى الْأَسَدِ الْمُطْلَقُ يُفِيدُهُ لَفْظُهُ الْمُطْلَقُ، وَالْأَسَدُ الْمُشَبَّهُ وَهُوَ الْمُقَيَّدُ يُفِيدُهُ لَفْظُهُ الْمُقَيَّدُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْمُطْلَقِ الْكُلِّيَّ الذِّهْنِيَّ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْقَرِينَةِ، وَإِنْ كَانَ شَخْصًا، وَهَذَا الْأَمْرُ مَعْقُولٌ مَضْبُوطٌ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ تُشَاحِحُونَا فَإِنَّا اصْطَلَحْنَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْمُطْلَقِ بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ حَقِيقَةً وَعَلَى تَسْمِيَةِ الْمُقَيَّدِ مَجَازًا.

قِيلَ: لَمْ نُشَاحِحْكُمْ فِي مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ وَالتَّعْبِيرِ، بَلْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الِاصْطِلَاحَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٍ، بَلْ هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ مَا تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَهُوَ مَجَازٌ، إِذْ عَامَّةُ الْأَلْفَاظِ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمَّا تَفَطَّنَ بَعْضُكُمْ لِذَلِكَ الْتَزَمَهُ وَقَالَ: أَكْثَرُ اللُّغَةِ مَجَازٌ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي مَجَازِ الْقُرْآنِ هُمْ بَيْنَ خُطَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا التَّنَاقُضُ الْبَيِّنُ، إِذْ يَحْكُمُونَ عَلَى اللَّفْظِ بِأَنَّهُ مَجَازٌ، وَعَلَى نَظِيرِهِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ، أَوْ يَجْعَلُونَ الْجَمِيعَ مَجَازًا، فَيَكُونُ الْقُرْآنُ كُلُّهُ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ كُلُّ مَا دَلَّ بِالْقَرِينَةِ دَلَالَتُهُ غَيْرُ دَلَالَتِهِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ مِنْهَا مَجَازًا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ اللُّغَةُ كُلُّهَا مَجَازًا فَإِنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَدُلُّ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ دَلَالَةً خَاصَّةً غَيْرَ دَلَالَتِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ بَعْضِ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَبَعْضٍ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا أَنْوَاعًا مِنْهَا إِلَّا عُرِفَ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِكُمْ، إِذْ لَيْسَ فِي الْقَرَائِنِ الَّتِي تُعَيِّنُوهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، فَإِنْ طَرَّدْتُمْ ذَلِكَ وَقُلْتُمْ: نَقُولُ: إِنَّ الْجَمِيعَ مَجَازٌ، كَانَ هَذَا مَعْلُومًا كَذِبُهُ وَبُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَابِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ أَصْلِ وَضْعِهَا، وَجُمْهُورُ الْقَائِلِينَ بِالْمَجَازِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ كُلَّ مَجَازٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَقِيقَةٍ، فَالْحَقِيقَةُ عِنْدَهُمْ أَسْبَقُ وَأَعَمُّ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَقَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ كَانَتِ اللُّغَةُ أَوْ أَكْثَرُهَا مَجَازًا كَانَ الْمَجَازُ هُوَ الْأَصْلُ، وَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ

<<  <   >  >>