للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَبِالْعِلْمِ جَهَالَةً، وَبِالْبَيَانِ عِيًّا، وَبِالْعَدْلِ ظُلْمًا، وَبِالصِّدْقِ كَذِبًا، وَيَحْمِلُ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَجَازِهِ تَحْرِيفًا لِلتَّكَلُّمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُسَمِّيهِ تَأْوِيلًا لِتَقْبَلَهُ النُّفُوسُ الْجَاهِلَةُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْرِضَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ مَفْهُومًا، وَقَدْ أَنْزَلَهُ تَعَالَى بَيَانًا وَهُدًى وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ.

قَالَ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الطَّرِيقَيْنِ: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ٧٥] ثُمَّ قَالَ فِي أَهْلِ الطَّرِيقِ الثَّانِي: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: ٧٨] ثُمَّ قَالَ فِي الْمُصَنِّفِينَ مَا لَا يُعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ قَالَهُ وَجَاءَ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِخِلَافِهِ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٩] الْآيَةَ.

فَهَذِهِ الطَّرِيقُ الْمَذْمُومَةُ الَّتِي سَلَكَهَا عُلَمَاءُ الْيَهُودِ، وَقَدْ سَلَكَهَا أَشْبَاهُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: " «لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ " «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» " وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْبَاهِ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَكْتُمُونَهُ، لِئَلَّا يُحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي خِلَافِ أَهْوَائِهِمْ، فَتَارَةً يَغُلُّ كُتُبَ الْآثَارِ الَّتِي فِيهَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَيَمْنَعُ مِنْ إِظْهَارِهَا، وَرُبَّمَا أَعْدَمَهَا، وَرُبَّمَا عَاقَبَ مَنْ كَتَبَهَا أَوْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ مِنْهُمْ عِيَانًا، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُ مِنْ تَبْلِيغِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ، حَتَّى إِذَا جَاءَتْ تَفَاسِيرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ بَالَغَ فِي مَدْحِهَا وَقَالَ: إِنَّ التَّحْقِيقَ فِيهَا، مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مَنْعُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكِتْمَانُهُ سَطْوًا عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيفِ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، ثُمَّ يَعْتَمِدُونَ عَلَى آثَارٍ مَوْضُوعَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُوَافِقَةً لِأَهْوَائِهِمْ وَبِدَعِهِمْ، فَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ وَيَضَعُونَ قَوَاعِدَ ابْتَدَعُوهَا وَآرَاءً اخْتَرَعُوهَا، وَيُسَمُّونَهَا أَصْلَ الدِّينِ وَهِيَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الدِّينِ.

<<  <   >  >>