للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُسْهِرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ فِي جَانِبِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَحْكُمَ فِيكُمْ بِرَأْيِي فِي أَمْوَالِكُمْ وَفِي كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ، ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَبَعَثَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ رَجُلًا فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَهُ حَيًّا فَاقْتُلْهُ فَإِنْ أَنْتَ وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَأَحْرِقْهُ بِالنَّارِ، فَانْطَلَقَ فَوَجَدَهُ قَدْ لُدِغَ فَمَاتَ فَحَرَقَهُ بِالنَّارِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» "

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْوَزْعَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» " وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا فَكَذَبَ عَلَيْهِ فَوُجِدَ مَيِّتًا قَدِ انْشَقَّ بَطْنُهُ وَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ.

فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُقِرَّ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَفَضَحَهَ، وَكَشَفَ سِتْرَهُ لِلنَّاسِ بَعْدَ مَمَاتِهِ.

وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُخْبَرِ بِهِ فَإِنَّهُ الْحَقُّ الْمَحْضُ وَهُوَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَلَامُهُ وَحْيٌ فَهُوَ أَصْدَقُ، وَأَحَقُّ الْحَقِّ بَعْدَ كَلَامِ اللَّهِ، فَلَا يُشْتَبَهُ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ عَلَى ذِي عَقْلٍ صَحِيحٍ، بَلْ عَلَيْهِ مِنَ النُّورِ وَالْجَلَالَةِ وَالْبُرْهَانِ مَا يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ، وَالْحَقُّ عَلَيْهِ نُورٌ سَاطِعٌ يُبْصِرُهُ ذُو الْبَصِيرَةِ السَّلِيمَةِ، فَبَيْنَ الْخَبَرِ الصَّادِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْخَبَرِ الْكَاذِبِ عَنْهُ مِنَ الْفَرْقِ كَمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالضَّوْءِ وَالظَّلَامِ، وَكَلَامُ النُّبُوَّةِ مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الصِّدْقِ، فَكَيْفَ نِسْبَتُهُ بِالْكَذِبِ، وَلَكِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارِهِ وَسُنَّتِهِ، وَمَنْ سِوَاهُمْ فِي عَمًى عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا قَالُوا: أَخْبَارُهُ وَأَحَادِيثُهُ الصَّحِيحَةُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ فَهُمْ مُخْبِرُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْهَا الْعِلْمَ، فَهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، كَاذِبُونَ فِي إِخْبَارِهِمْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُخْبِرِ فَالْمُخْبِرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَعَدَالَتِهِمْ وَتَحَرِّيهِمْ لِلصِّدْقِ وَالضَّبْطِ، وَكَوْنِهِمْ أَبْعَدَ خَلْقِ اللَّهِ عَنِ الْكَذِبِ وَعَنِ الْغَلَطِ

<<  <   >  >>